عرش على كومة من جماجم

طاهر العلواني | كاتب ومفكر إسلاميّ

يا حبيبة، حُبِّبَ إلى النفوسِ وصلُها، والتحمَ بالعقول فضلُها، وما مرّ طرفُها بأحد إلا استلذَّها، ولا باذَّها في القلب حُبٌّ فَبَذَّها، قد أرسلَ البهاءُ إلى عينيها النورْ، وأدخل السنا على وجهها السرور، كأن في كل عضو منها شمسا ساطعة، وفي كل بقعة منها دُرّةً ناصعة، اجتمع لها من ميراث الملاح أسنى المراتب، وحازت من الوجوه الصِّباح أعلى المناقب، من نادمها لا جور عليه ولا خوف، فلا حرّ بوادي عوف، ما جهِل حاقد شقيّ حُسنها حتى تجاهَله؛ إذ كانت تعود بفضلِ جاهها على ما لا جاهَ له، سلمت من عوادي الزمان ونكباته، وتحصّنت عن جور الظالم وعثراته، حتى أُوثِقت من الجِيد بالمسد، ودُعي فيها الكلبُ (بالأسد)، تبِع معشره واستَنّ، وكان حمارا فاستأتَنْ، وقد كان أعطى المواثيق المؤكَّدة، والعهود المقلَّدة، فخانَ أَيمانه أعظم الخيانة، وجذّها جذّ العير الصليانة، وانتقى أسوأ مُعين وأشأمَه، وصار كالعبد يستصرخ أَمَةْ، فاستعدى عليها وغدر، ومن مأمنه يؤتى الحذر، وهذه الحمقى لم تَسُءْ لَه، فقد أوتي سؤلَه، فلم تُمسِ الحبيبة إلا ودمها من الطعن مسفوك، وعرضها من الوعل منهوك، وإخوتها في الولاء رفات فلا ولاء، وعند الدعاء أموات غير أحياء، بل ظاهروا عدوها بالنصرة والائتلاف، كأن في أعينهم الحوصَ والالتفاف، وانفضوا عنها كعجوز غبراء، واطّرحوها اطّراح واصلٍ للرّاء، فوقفت في المهمه تقاتل وحدها، وتوسّطت شأنها واكتفت بما عندها، فاستعانت الحسناء بربها، وأبت الحرّة أن تكشف عن ثوبها، وقد أظهر الجميع المجالحة، وسارع كل ظهير إلى المجارحة، وهي لا تقبل من خائن وصيّة، أبيّة على ضعفها عصيّة، فاستحلّوا الفتنة بوَقّادِها، وانتضوا السيوفَ من أغمادها، حتى سقطتْ رفيعةَ الرأس، مقهورة بالبأس، قد أفسدَ الفاجر رونق مائها، وأهلكَ ما بين أرضها وسمائها، فيا عجبا، كيف ظاهروا عليها وقد غذَتهم بلبانها؟! وكيف نضّوا ثوبها وقد استتروا بحيطانها؟! جلا الله حوبتها، وفكّ بعزّه كربتها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى