هكذا تكلم النيل

الشاعر الكبير حسن طلب | مصر

الأوْلوِيَّةُ لِى
نَحَتُّ بضِفَّتىَّ الأبْجدِيَّةَ..
واتَّخذْتُ حُروفَها جُندًا.. وأنْفذْتُ الجُمَلْ
°°°°
الأوْلَويَّةُ لِى
رَوَى الفَيَضانُ أنِّى العِلَّةُ الأُولَى
وأنَّ الأنْهُرَ الأخْرَى رَوافِدُ تَمَّحِى
فى بحْرِ سِلسلَةِ العِلَلْ
°°°°
الأولوِيَّةُ لِى
ولستُ أُرَى علَى حوْضٍ سِوى حَوْضى
أنا لستُ المِسيسبِّى ولا الأمَزْونَ
كىْ أُعْزَى إلى أمْسٍ قريبٍ
ثُم أُنسَبُ لِلغُزاةِ الفاتِحينَ.. وأُنتَحَلْ!
°°°°
الأولويَّةُ لِى
ولِلأنهارِ ما قد يَقرأُ التَّاريخُ فى آثارِ حَوْليَّاتِها
ممَّا تُسجِّلُهُ الضِّفافُ عنِ الجَفافِ أو البلَلْ!
الأولويَّةُ لِى
ولِلشُّهداءِ إرْثُ الضِّفتيْنِ.. ولِلخفافيشِ الجبَلْ!
°°°°
وقفَ الشَّهيدْ
وقفَ الشهيدُ هنا علَى أشْلائِهِ.. وهنا سقَطْ!
وتَلا علَى الأشْهادِ فاتِحةَ النَّشيدْ:-

[ يا نِيلُ أحْكَمْتَ الخُطَطْ
فرَشَتْ لكَ الصَّحراءُ: شرَّ حَصيرةٍ
فرَصدْتَ كلَّ صَغيرةٍ
لمْ تَنْسَ قَطّْ!
ومرَرْتَ مِن بحْرِ الغَزالِ..
عبَرْتَ مُرتفَعاتِ دُنْقُلةَ القديمَةِ
فى مُحاذاةِ الجِبالِ
أدَرْتَ وجهَكَ مِن بُحَيْراتِ الجَنوبِ
إلى الشَّمالِ
جريْتَ مِن بينِ الجَنادِلِ وانْتصرْتَ على التِّلالِ
هَدَرْتَ بالشَّلاّلِ..
فانْطَوتِ الهِضابُ الصُّفْرُ بينَ يديْكَ.. والوادِى انْبسَطْ!
حتَّى إذا ألفَيْتَ نفْسَكَ فى بحيْراتِ الرِّمالِ
دَعوْتَ ربَّكَ.. وانْطلَقْتَ
شقَقْتَ دَرْبَكَ بينَ صحْراويْنِ.. واخْتَرتَ الوسَطْ!
وجَعلْتَ تَبتكِرُ التَّضاريسَ الجَديدةَ
إنَّها مِصرُ التى انْتظَرتْكَ..
تَنهَضُ فى ضبابِ الكوْنِ واحِدةً وحيدَةً!
اكْتملْتَ بِها.. أو اكْتملَتْ بكَ
الآنَ انْتقلْتَ مِن الغَمامِ.. إلى الرُّخامِ
مِن الكَلامِ إلى القَصِيدةِ…
مِصرُ مَن صنعَتْكَ
قد نهضَ الشَّهيدُ علَى حُدودِ تُرابِها..
وهنا سقَطْ!
فدَخلْتَها مِن بابِها
وفصَلْتَ بينَ دَمٍ ومُتَّهَمٍ.. بخَطّْ!
وسألْتَ: كيفَ الفصْلُ بينَ دَمَيْنِ
فى قلْبِ العَميدِ الصَّبِّ
بينَ الشَّاهِديْنِ علَى الهَوَى: بَرٍّ.. وشَطّْ!

مِصرُ التى احْتاجَتْ إليْكَ بُقولُها.. واحتَجْتَ
فاسْتخْرجْتَ مِن أصْدافِ قاعِكَ دُرَّها
ونَثرْتَهُ فى الجَوِّ..
فانْعكَسَتْ علَى مِرآةِ صفْحتِكَ السَّماءُ
تَلأْلأَ الشَّطَّانِ والبَرُّ اسْتضاءَ!
لقدْ نظَمْتَ بَناتِ نعْشٍ.. فانْتظَمْنَ
ضَمَمتَ “بابَةَ” والنَّسِيءَ إلى “بَؤونَةَ”.. فانْضبَطْ!
فرشَشْتَ أرْضَكَ بالنَّدَى
وزرعْتَ فيها سِرَّها
وسَعيْتَ بينَ الطَّيِّبينَ بِرحْمَةٍ.. والطَّيِّباتِ..
جمَعْتَ كِلْتا الضِّفَّتيْنِ علَى نمَطْ!
ألَّفْتَ مِن شتَّى الدِّماءِ عَشيرةً
ومِن العشائرِ دوْلَةً
وبنيْتَ ممْلكَةً فأرْسيْتَ البِناءَ..
ولمْ تزَلْ حتَّى رأيْتَ دَمَ العشائرِ يَخْتلِطْ!
فأشَعْتَ فيها الأمْنَ.. واسْتخْلَفْتَ فيها شَعبَها
أسَّسْتَ دِينًا واحِدًا لِلمُسلِمِينَ ولِلقِبِطْ!
°°°°
وكتبْتَ: إنَّ الأوْلوِيَّةَ لِى
لأوَّلِ مرَّةٍ ظهَرَ الإلهُ
فخِيفَ قَبْلُ الموْتِ مِن عَدلِ الإلَهِ
وخِيفَ بَعْدُ الموْتِ!
أوَّلَ مرَّةٍ صعَدَ الدُّعاءُ إلى السَّماءِ.. وجاءَ..
أوَّلَ مرَّةٍ وحْىٌ هبَطْ!
أفمحْضَ نهرٍ أنتَ؟
أنتَ مزيجُ خمرٍ سالَ؟ أم ماءٌ فقطْ

^^^^
من ديوان (لا نيل إلا النيل)- دار شرقيات 1993.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى