رئيس جمهورية لبنان .. هل يكون صناعة وطنية؟

توفيق شومان| إعلامي ومفكر سياسي لبناني
مع كل استحقاق رئاسي، يتجادل اللبنانيون حول من يملك القرار في انتخاب رئيس الجمهورية،بعضهم يذهب إلى حصر الخيار الرئاسي بالعوامل الخارجية، هذه القراءة تخالف ما يذهب إليه المغالون، وتتوقف عند نماذج انتخابية امتلك فيها أهل الداخل قوة الحسم في اختيار الرئيس.
ـ أولا: كميل شمعون: يروي كمال جنبلاط في “حقيقة الثورة اللبنانية” الصادر في عام 1959 وقائع وصول كميل شمعون إلى الرئاسة الأولى فيقول: “انبثقت من انتخابات صيف 1951 الجبهة الإشتراكية الوطنية ، وكنت شخصيا أمينا عاما لهذه الجبهة ،وكانت مقالتنا التي نشرتها جريدة الأنباء نقطة انطلاق للثورة اللاعنفية البيضاء في صيف سنة 1952، ثم كان اجتماع دير القمر الشهير الذي دعونا إليه بإسم الجبهة الإشتراكية الوطنية إلى الإضراب العام الشامل الذي تنازل على إثره الرئيس بشارة الخوري، مؤثرا حقن دماء اللبنانيين على الإستمرار في الحكم “.
من الأحزاب والشخصيات الداعية للإضراب الشامل، ولاحقا استقالة الرئيس بشارة الخوري: الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب الكتلة الوطنية وحزب النداء القومي (تقي الدين الصلح) وكميل شمعون و حميد فرنجية ورشيد كرامي وأنور الخطيب وعادل عسيران وعلي بزي وصائب سلام وعبدالله اليافي وسامي الصلح وسعدي المنلا وغسان تويني وغيرهم.
بعد استقالة بشارة الخوري يروي كمال جنبلاط تعاقب الأحداث على الوجه التالي “لما شغر الكرسي الأول، أخذ الخاطبون ود الرئاسة يتقدمون، ولم ييرز إلا شخصيتان مارونيتان، حميد فرنجية وكميل شمعون،حاولنا أن ندفع باللواء فؤاد شهاب لترشيح نفسه ولما يئسنا، حاولنا تركيز الترشيح على ألفرد نقاش، وبعد محاولة التحكيم الخطي التي تقدم بها حميد فرنجية وأوكلنا شخصيا بإجرائها بينه وبين كميل شمعون، كان لا مفر من تأييد شمعون “.
اين الدور الأجنبي؟ بعد اختيار الجبهة الإشتراكية شمعون مرشحا رئاسيا، راح النواب يتكتلون حوله كما يقول جنبلاط، “وأخذت تسرٍع في توفير الأكثرية النيابية أيد أجنبية خفية،وكانت الأكثرية الإسلامية النيابية قد ركزت اختيارها على شمعون بعد أن اتخذ رئيس دولة سوريا أديب الشيشكلي “موقفا في الأمر”.
هذه الوقائع يضيء عليها الوزير الراحل يوسف سالم في كتابه “خمسون سنة مع الناس” فيروي “في بادىء الأمر كانت كفة حميد فرنجية هي الراجحة، لكن كميل شمعون داهية ، وأول ما فعله أن استنجد بأصدقائه الإنكليز، وإذا به يجتذب نواب بيروت وبعض نواب الشمال بفضل الضغط السياسي من جانب سوريا ” .
يتابع يوسف سالم ” فكرتُ في الموقف كثيرا ،وتبادلت الآراء وأصدقائي ،تبين لنا أن انصار شمعون يزيدون اثنين أو ثلاثة،عند ذلك توجهت إلى حميد فرنجية بهذا السؤال: هل ترضى أن يُنتخب رئيس للجمهورية في هذا الجو الضاغط ؟ قال لا، قلت أرى ان تجتمع بكميل شمعون ،ومن كان عدد مؤيديه أقل ينسحب للآخر ،وبعد ساعات قليلة كان المرشحان وجها لوجه في خلوة لم يحضرها سواي،وفجأة وقف حميد فرنجية وقال لشمعون مبروك “.
حول انسحاب حميد فرنجية، ثمة رأي ينقله نقولا ناصيف في “كميل شمعون آخر العمالقة” عن الياس الديري ” كان النواب المحمديون يؤيدون كميل شمعون الذي كان في ذلك الزمن فتى العروبة الأغر، بينما كان النواب المسيحيون في صف حميد فرنجية ، وخوفا من حدوث انقسام طائفي طلب اندروز ـ الوزير البريطاني المفوض، من ـ ميشال شيحا أن يذهب إلى الشيخ بشارة الخوري ويطلب منه أن يمشي النواب الدستوريون مع شمعون”.
من خلال ما يقوله كمال جنلاط ويوسف سالم والياس الديري يتضح التالي :
ـ إن ترشيح شمعون لرئاسة الجمهورية كان خيارا داخليا شكل المدخل العريض لوصوله إلى القصر الجمهوري .
ـ إن اختيار الغالبية النيابية الإسلامية لكميل شمعون انطلق من زوايا النظر إليه بإعتباره عروبي الهوى .
ـ إن مواقف الخارج جاءت داعمة لهذا الخيار .
ـ ثانيا : فؤاد شهاب: وصل اللواء فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية عام 1958، وكان يمكن أن يحظى بالرئاسة عام 1952 لولا رفضه آنذاك، ولذلك لم يكن عصيا على الإدراك أن ابواب القصر الرئاسي مشرعة امام شهاب منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس شمعون، وفي جلسة انتخابه النيابية نال 48 صوتا مقابل 7 أصوات لريمون إده، الأمر الذي عنى أن خصومه الكتائبيين والشمعونيين جيروا أصواتهم له .
واقع الحال ان وقوف الجيش اللبناني على الحياد إبان حوادث عام 1958، وحصر مهماته في منع قوى المعارضة المسلحة من الوصول إلى القصر الجمهوري، والحؤول دون سيطرة القوى السياسية المتصارعة على مؤسسات الدولة ومرافقها، أسهم في جعل فؤاد شهاب خيار الغالبية الشعبية والسياسية .
في كتابه “فؤاد شهاب ذلك المجهول” يقول ياسم الجسر “قبل مفاتحة اللواء شهاب بالموضوع ـ الرئاسي ـ قام المبعوث الأميركي ـ روبرت مورفي ـ بإستخراج رأي عدد كبير من الزعماء والسياسيين اللبنانيين ، ولقد أتيح لي حضور احد اجتماعات المعارضة حيث نوقشت قضية انتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية، كان هناك شبه إجماع على تقدير موقفه والثقة بشخصه، ولم يكن من الصعب على مورفي الحصول على موافقة المقامات والشخصيات المسيحية لإنتخاب فؤاد شهاب،إذ أن عددا كبيرا منهم لم يكن يؤيد شمعون وبنوع خاص البطريرك بولس المعوشي، كما ان حزب الكتائب كان على صلة وثيقة بالجيش “.
لناديا ونواف كرامي كتاب صادر عام 1959بعنوان “الثورة اللبنانية أسبابها تطورها حقائقها” وهو من الكتب ذات القيمة الرفيعة التي تحلل وتعالج احداث سنة 1958وما تلاها من وصول اللواء فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية، وفي الكتاب عرض إجمالي لإتصالات المبعوث الأميركي تستحق أن تُروى: “وصل السيد روبرت مورفي إلى لبنان وفي رأسه تتلاحق الأفكار والمشاريع ، وكان غبطة البطريرك الماروني أول من قابله،واجتمع بعد ذلك بالرئيسين عبد الله اليافي وحسين العويني وبغيرهما من أركان المعارضة،واجتمع إلى الرئيس شمعون،وعاد مورفي واجتمع بأركان القوة الثالثة يوسف ونقولا سالم وبهيج تقي الدين واجتمعت آراؤهم على ترشيح فؤاد شهاب، ثم اجتمع إلى الرئيسين العويني واليافي ، وكوًن مورفي فكرته عن الأزمة اللبنانية بعد اتصالات عديدة واجتماعات متكررة مع أقطاب المعارضة ،وعاد ليجتمع بالرئيس شمعون وأفهمه أنه وجد شبه إجماع على ترشيح شهاب لرئاسة الجمهورية ، وعاد مورفي للإتصالات واستقبل النواب الموالين لشمعون ، واجتمع بعد ذلك بكمال جنبلاط في مزرعته سبلين” .
ماذا عن المرشحين للرئاسة ؟
ماذا عن الجلسة النيابية لإنتخاب الرئيس؟
يكمل نواف وناديا كرامي ” أرجئت جلسة مجلس النواب التي كان موعدها 24 تموز/ يوليو، وبرز إسم الرئيس السابق بشارة الخوري ، وترددت أسماء شارل حلو وجواد بولس وإميل تيان و بدري المعوشي وإيليا أبو جودة وسليم لحود وريمون إده، وكان هنري فرعون لايزال يوالي جهوده للإتفاق على مرشح تتفق عليه الكلمة، وأخيرا اقتنع شهاب بوجوب ترشيح نفسه، واجتمع الموالون في القصر الجمهوري وأقنعهم شمعون بضرورة تأييد شهاب للرئاسة “.
وإثر انتخاب فؤاد شهاب ـ كتب سهيل إدريس صاحب مجلة “الآداب” في “السياسة البيروتية ( 1ـ 8 ـ 1958)” فقال “الحل الذي انتهت إليه الأزمة اللبنانية بإنتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية ، هو الحل المبدئي الذي أرادته الثورة اللبنانية ،أن يعتزل كميل شمعون ليحل محله رئيس محايد”.
مرة اخرى الداخل هو الأصل.
ـ ثالثا: شارل حلو: لم يأت شارل إلى رئاسة الجمهورية من فراغ ،فالرجل كان من الأسماء المطروحة للرئاسة عام 1958،وبدفع من فؤاد شهاب توفرت الغالبية النيابية له بهدف ضمان استمرار النهج الشهابي وهذا ماسينقله باسم الجسر عن فؤاد شهاب وقوله لمريديه السياسيين واعضاء المجلس النيابي ” إذهبوا وباركوا لإبن الحلو “.
وعلى ما ينقل عزيز المتنني في كتابه ” كمال جنبلاط أسئلة وحقائق” أنه سمع من زعيم الحزب الإشتراكي قوله ” إن فؤاد شهاب ارتكب خطيئتين مفصليتين امتناعه عن تجديد ولايته والإتيان بشارل حلو وعزوفه عن الترشيح سنة 1970″، وهذا يعطي دعامة قوية للرأي القائل بأن إنتاج الرئيس اللبناني عام 1964 تشكلت عوامل نضوجه داخليا قبل أن يحظى بفواعل الدعم الخارجي ، ذلك أن حُسن القراءة اللبنانية لكيفية اختيار شخصية رئاسية غير صدامية في الداخل وغير استفزازية مع الخارج، جعلت معاييرالإنتخابات الرئاسية وطنية محلية أو بأقل تقدير شبه محلية .
يقول رئيس مجلس النواب الأسبق كامل الأسعد في “دفاتر الرؤساء” لغسان شربل “شارل الحلو أنا من اختاره ، وقد جاء من نصحني بأنه رجل ثان ممتاز ، لم تكن لدينا أية رغبة في تحدي الرئيس فؤاد شهاب، وجاءني فيليب تقلا ـ وزير الخارجية ـ وطلبتُ منه أن يقترح علينا أسماء لخلافة شهاب ـ عرض ـ خمسة أسماء بينهم فؤاد عمون وإلياس الخوري وشارل حلو ، كنتُ أعرف شارل حلو واخترته ، وهذه واقعة عرفها الرئيس حلو “.
وفي شهاد غابي لحود رئيس جهاز الإستخبارات اللبنانية المعروف ب “المكتب الثاني” أن “الرئيس فؤاد شهاب هو الذي اختار شارل حلو ، وكان هناك في التداول إسم فؤاد عمون، لكن خيار الرئيس شهاب وقع على شارل حلو ” .
في اليوم التالي على آداء الرئيس شارل حلو يمين القسم كتب كامل مروة في افتتاحيته الشهيرة ” قل كلمتك وامش ” في صحيفة الحياة ” البيروتية (24ـ 9 ـ 1964) ” إن الرئيس حلو بلغ منصبه عن طريق الرأي النيابي الغالب ،وأن سلفه الرئيس شهاب رفض التجديد تمسكا بالحرفية الدستورية ،وان جميع مظاهر القلق والتوتر التي سممت الوضع اللبناني فترة ما، قد زالت بمجرد الإندفاع في هذا السبيل الشرعي السوي “.
القراءات الخارجية لتداول السلطة في لبنان وبأقل قدر من المؤثرات الإقليمية والدولية، لاحظتها صحيفة ” الغارديان” البريطانية إذ نقلت عنها صحيفة “الحياة” في السابع والعشرين من أيلول / سبتمبر 1964 قولها ” إن انتقال السلطة في لبنان تم بإنسجام تام ، والرئيس فؤاد شهاب فرض إرادته في النهاية ولم يقبل بالتجديد وانتخب البرلمان شخصا آخر بما يشبه الإجماع وأتيح للبنانيين تسيير شؤونهم دون مساعدة خارجية ، وقد نفذوا ذلك بشكل مرض تماما ”
ـ رابعا: سليمان فرنجية: حط الخيار الرئاسي بسليمان فرنجية في القصر الرئاسي في السابع عشر من آب/ اغسطس 1970، وكان واضحا أن المرحلة الشهابية في نصفها الثاني التي انتهجها شارل حلو بذهابه إلى “معادلة التوازن” بين الشهابيين وخصومهم ، قد وصلت إلى منعطف حاسم بعد اكتساح “الحلف الثلاثي” الإنتخابات النيابية عام 1968، وجاء اعتزال فؤاد شهاب العمل السياسي ليزيد من حدة الحيرة التي حاصرت الشهابيين، وعشية تلك الإنتخابات المشهودة ، تعددت الأسماء الطامحة للرئاسة الأولى، من بيار الجميل إلى كميل شمعون وريمون إده وجميل لحود وحبيب كيروز وفريد الدحداح ،واستقر التنافس الرئاسي بين المرشح الشهابي الياس سركيس ومرشح ” كتلة الوسط ” سليمان فرنجية.
في “دفاترالرؤساء” يقول الزعيم الوطني صائب سلام “ترشيح سليمان فرنجية لم يتقرر في اجتماع موسع، حصل في اجتماع عُقد هنا ـ في منزله ـ حول طاولة الزهر ، كنا نلعب الطاولة أنا وفرنجية وبقربنا جوزيف سكاف ونسيم مجدلاني ، قلت لفرنجية أنا أرشحك ونمشي فيها “.
وفي مذكراته “أحداث وذكريات” الصادرة هذا العام يقول صائب سلام “أمضيتُ طوال يوم الأربعاء في 28تموز / يوليو 1970في اتصالات ولقاءات انتخابية للتوفيق بين وجهات نظرالحلف الثلاثي ووجهة نظر كمال جنبلاط اجتمعتُ طويلا بشوكت شقير، ثم بكاظم الخليل، ثمّ دعوتُ إلى اجتماعٍ مسائي، حضره عديد من النواب والفعاليات، ومن بينهم كامل الأسعد وكمال جنبلاط وتقي الدين الصلح ، وخلال ذلك الاجتماع، استعرضنا العديد من الأسماء ثم فجأة ومن دون مقدمات طرحتُ اسم سليمان فرنجية ” .
وعلى موقع تيار “المردة” رواية ناشر صحيفة “النهار” الراحل غسان تويني يقول فيها “كانت الإنتخابات حامية وكنا نرغب في إزاحة المكتب الثاني، بدأنا الإتصالات لتوحيد الجهود، تواعدنا على اجتماع في هذا المكتب ـ مكاتب “النهار” ـ توجهتُ بالكلام الى الرئيس شمعون وقلت له: فخامة الرئيس إن لآل فرنجية دينا في رقبتكم، نام حميد فرنجية رئيسا سنة 1952 لكن الأمور تبدلت في الليل، الآن دورك لتنسحب، وإلا لن يكون رئيس يوقف الزحف الشهابي” .
بعد اقتناع شمعون بالإنسحاب من السباق الرئاسي ، بقي على خصوم الشهابيين مهمة إقناع بيار الجميل،وهذا الإمتحان تصدى له شمعون وفرنجية ، وحيال ذلك كتبت صحيفة “الأنوار” في السابع عشر من آب / اغسطس 1970، أي في يوم الإنتخاب المشهود “توجه الرئيس شمعون والسيد سليمان فرنجية ليل أمس في سيارة واحدة إلى بكفيا لزيارة الشيخ بيار الجميل وإقناعه بضرورة الإنسحاب لمصلحة سليمان فرنجية” وهكذا كان، وعلى حد ما وصفت ” الأنوار” نتيجة الإنتخاب (19 ـ 8 ـ 1970) انه ” لو كان الصوت ينقسم لنال كل من المرشحين المتنافسين 49،5، لكن الصوت لا ينقسم ففاز سليمان فرنجية بالصوت الأخير ونال 50 صوتا مقابل 49 صوتا نالها الياس سركيس” .
ما يمكن أن يقال في انتخابات 1970 إن ثمة مناخا سياسيا داخليا استطاع أن يزيح الشهابيين عن الحُكم بالتحالفات والتقاطعات المحلية ، صحيح أن الإمتعاض الناصري كان له أثره بعدم الحماس للمرشح الشهابي الياس سركيس جراء واقعة إفشال الإستخبارات اللبنانية لمحاولة روسيا السوفياتية السطو على طائرة “ميراج” لبنانية مما أثار حفيظة موسكو على الشهابية ، إلا أن رفض فؤاد شهاب خوض الإنتخابات الرئاسية جعل خصوم الشهابيين يفوزون، وتلك هي “الخطيئة” التي ارتكبها فؤاد شهاب مثلما قال كمال جنبلاط لعزيز المتني، ومهما يكن من أمر ، فإنتخابات 1970 ، بلورت قواعدها الأساسية الارادة الداخلية التي قرأت بإمعان نقطة الضعف الإقليمية (الناصرية) للشهابية ، فاتجهت نحو ” خيار وسطي ” لا هو من ” النهج الشهابي ” ولا هو من ” الحلف الثلاثي “.
ـ خامسا: ميشال عون: لم يكن وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدة في الواحد والثلاثين من تشرين الأول/ اكتوبر 2016 معبدا بالسهولة والليونة التي سلكها رؤساء جمهورية سابقون ، فقبل أن تُفتح أبواب القصر أمام العماد عون، كان لبنان يعيش مرحلة “خلو” مقام الرئاسة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في الرابع عشر من أيار / مايو 2014.
وطوال سنتين ونصف من خلو سدة الرئاسة الذي يلطٍفُه ” فقهاء” الدستور المحليون ، ويصفونه بـ ” الشغور” مع ان الدستور يتحدث عن “خلو” ـ المواد 61و62 و74 ـ تزاحمت أسماء عدة لإحراز قصب السبق الرئاسي ،إلى أن رسا السباق بين ميشال عون وسليمان فرنجية .
وفي ظل الفشل المتعاقب في اختيار الرئيس المنتظر ، أطل “الإنفراج” من “تفاهم معراب” بين “القوات اللبنانية” و “التيار الوطني الحر” في الثامن عشر من كانون الثاني / يناير 2016، وعنى ذلك أن الأكثرية المسيحية عقدت رهانها الرئاسي على عون، وبذلك تشكل المدى المحلي الواسع لإيصال مؤسس “التيار الحر” إلى رئاسة الجمهورية.
وبعد “تفاهم معراب” لم يعد بمقدور مناوئي عون أن يبقوا وراء الخطوط الحمر المعارضة للعماد ـ الرئيس ، وانفتح هذه المرة المدى الذي كان مغلقا لدى تيار “المستقبل”، فأعلن الرئيس سعد الحريري في العشرين من تشرين الأول / اكتوبر 2016 دعمه وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية ، وهو الأمر الذي حصل بعد احد عشر يوما .
في اليوم التالي على انتخاب عون رئيسا كتبت صحيفة “الأخبار” اللبنانية (1 ـ 11 ـ 2016) محتفية ومنتشية “العماد الذي أُقصي عن القصر بعملية عسكرية عاد إليه أمس بعد 26 عاما بديموقراطية الإنتخاب مُنتصرا مُكرّما، إنه القدر الذي أعاد الحق لأصحابه وأنصف من نُفي واضُطهد وشُوّهت سمعته ولكنه صمد مع شعبه، إنه العماد الذي خسر معارك ولكنه انتصر في النهاية “.
هل يمكن إعاد قراءة ما كتبته “الأخبار”: ديموقراطية الإنتخاب، ولماذا لا ينطبق على الرئيس عون ما جرى للعديد من أسلافه الذين وصلوا إلى رئاسة الجمهورية ب “ديمقراطية الإنتخاب” فكانوا صناعة محلية ؟.

ختاما: مع مقولات المؤرخين:
في حوار (آب/ اغسطس 2010) أجرته مجلة “المستقبل العربي” مع المؤرخ كمال الصليبي حول التدخلات الخارجية في لبنان، قال: “إني أضع اللوم كله على الداخل وليس على الخارج ، فالداخل هو الذي يسمح وهو الذي يمنع “.

بناء عليه:

هل يمكن القول لأهل الحل والربط في لبنان ” كونوا لبنانيين ولا تنتظروا رئيسا ينتخبه صندوق الإقتراع في الخارج؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى