الفرق بين الحرية والطغيان
د. خضر محجز | فلسطين
الحرية هي وعي الفرد بقيمته وتوافق المجتمع على القبول بذلك.
هناك نوعان من الوعي:
1ـ وعي الفرد بقيمته الذاتية.
2ـ أو اندماج بهيمي في مجموع لا يعرف إلا ما يعرف المجموع.
في الحالة الأولى فقط، تكون ثمة حرية.
أما في الحالة الثانية فلا وجود إلا للطغيان: طغيان السلطة ـ مهما كان شكلها ـ التي وحدها لها مطلق الحرية في صياغة وعي الأفراد.
هناك يذوب الفرد وينهض الطاغية، باسم المجموع.
من هنا فليس غريبا أن يبدأ مشرق الحرية في بلاد الغرب، حين عرف الأفراد أن الحاكم هو خادمهم، أو مجرد راعي مصالحهم.
أما في الشرق ـ وباستثناء فترات قليلة ومتناثرة ـ فقد هيمن وعي الطغاة، باسم المجموع، على وعي الأفراد. فماتت الحرية.
وللحق، فإن المريض ـ في الغالب ـ يرفض الاعتراف بمرضه، إذا كان من النوع الخطير، خصوصا إذا كان يؤدي إلى الموت.
تبدأ رحلة العلاج فقط، حين يعترف المريض بمرضه، فتبدأ مرحلة تقبله للدواء.
فلا شك أن من يظن نفسه صحيحاً، فلن يقبل شرب الدواء.
ولأن الشعوب العربية تعتقد أنها خير أمة أخرجت للناس، فلا شك بأنها لن تعترف بمرضها بسهولة. لهذا يتأخر العلاج. بل لهذا السبب بالذات، يصبح العلاج أمراً مستحيلاً، ويستفحل المرض.
ربما يمر جيل ـ في زمن ما ـ يكون الأفضل، لكن ذلك لا يستمر طويلاً، لأن طبيعة الجينات لا تتحول بهذه السهولة.
لا يمكن لناهب قوت أخيه بالسيف، وسالب امرأته بالقوة، أن يعلو فوق هذه النوازع البدائية بسهولة.
ربما يتعالى عليها جيل من أجياله، بقوة الإيمان.
لكن الإيمان لا يستمر في الأجيال اللاحقة، كما بدأ في الأجيال السابقة.
لهذا سرعان ما ينزاح وعي الإيمان ـ الطارئ ـ رويدا رويدا، لصالح عودة فعل الجينات.
ولكي يتم قهر هذه الغرائز، فلا بد من الأخذ بأسباب الحضارة، وصياغة ذلك في قوانين ملزمة، تمنع الغريزة من الانطلاق من مكمنها، وتعطي حق القوة للدولة فحسب.
هذا لم يحدث لدى العرب حتى الآن. وحتى يحدث، فسوف نظل ندعي أننا خير أمة أُخرجت للناس، فيما يسخر منا كل من حولنا.
دعوني أقتبس من هيجل، ما أراه حقاً:
يقول: الحرية السياسية تبدأ حين يشعر الفرد بأنه فرد، ويشعر الذات بأنه ذات وسط العامة. هناك يظهر وعي الإنسان، بأن له ـ في ذاته ـ قيمة لامتناهية.
يبدأ الوعي حين أطرح نفسي على نفسي، ويكون لي قيمتي بذاتي فقط.
ولأن الفلسفة لا تظهر إلا حيث تتوفر الدساتير الحرة، فليس من الوارد الكلام عن الفلسفة في الشرق، صحيح أن الروح يرتفع كثيراً هناك، لكن الذات الفاعل ليس شخصاً؛ لأنه موجه للتلاشي في الموضوع.
هذا هو الشرط الأساسي للطبع الشرقي. فالمادة الأصيلة هناك وحدها هي الإيجابية. أما الفردي فعارض ودون جوهر. ليس هناك حرية سياسية ـ حق، أخلاق حرة، وعي محض، فكرـ وحتى يظهر ذلك كله، لا بد من بروز الذات كوعي، في مواجهة المادة الجوهرية، وبالتالي يتم الاعتراف بها على هذا النحو.
إن علم الفرد بذاته غير موجود في الطابع الشرقي، لأن الذات في الفرد ليست موجودة فيه لذاتها، وليس لها بذاتها أية قيمة في وعيه. لا شك أن الذات الشرقية يمكن أن تكون عظيمة، لولا أن الفرد ليس له حقوق البتة. وكل ما يفعله هو من تعيين الطبيعة أو الاعتباط. فليس الكرم وسمو النفس وأعظم الاستعدادات، لدى الشرقي، إلا من صنيع الخاطر، من صنيع المصادفة.