غزة اللغز الذي لم يفهمه العرب
عبد الهادي راجي المجالي | الأردن
في غزة لايوجد نفط، وأهلها لايركبون الـGMC ولا اللاند كروزر، ولكنها تمتلك رصيدا استراتيجيا من الشطة.. والشطة يبدو أنها تنتصر في الحرب حين يهزم الغاز والنفط ويهزم الذهب.
في غزة أيضا لايوجد ناطحات سحاب ولا يملك إسماعيل هنية طائرة جامبو خاصة من أجل الإستجمام في (مونت كارلو)، و أبو عبيدة قائد كتائب عز الدين القسام زوجته لا تتسوق في لندن من (لويس فيتون)، ولكنها تمتلك (شرشفا) تنشره فوق السطح من أجل تنشيف الملوخية والفلفل الأحمر.. وربما أثمن هدية امتلكتها أن أبوعبيدة اصطحبها يوما لقراءة الفاتحة على قبر أحمد ياسين، وأقسى طموح لها أن يعود زوجها حيا سالما ويحضن الأولاد.
في غزة لايوجد مزارع خاصة لعلية القوم، وإذا مرض أحدهم، لايوجد واسطة لنقله إلى لندن للعلاج؛ العلاج الوحيد هو في مستشفيات غزة مثله مثل غيره، ولا يوجد مولات تحتوي على ماركات فاخرة مثل) مسيمو دوتي).. أو (فانجلز)، يوجد محلات كثيرة تبيع الدشاديش والأحذية المصنوعة محليا، ولايوجد ربطات عنق من ماركة (هيرمز).. ربما أكبر ترف قد يمارسه الغزي في الملبس، هو أن يرتدي دشداشة هربت له من مصر عبر معبر سري هدموه فيما بعد..
في غزة لايوجد، دورات لأفراد كتائب القسام تعقد في كليات بريطانيا الحربية، ولا يذهب قادة الصواريخ ومطلقيها إلى كلية الحرب في نيفادا من أجل اجتياز برامج قيادة الكتائب والحرب الإلكترونية، هم يمتلكون أصلا أهم كلية حرب وأركان في العالم، وهي المسجد، وأهم خطة عسكرية للنصر وهي قسمات أحمد ياسين.
في غزة لاتوجد ( جمسات) تذهب للبر من أجل الصيد والرفاهية، لا توجد يخوت لعلية القوم يمتطيها أفراد الحكومة، تخيلوا اسماعيل هنية يمتطي يختا ويمارس الصيد؟ أصلا أكبر ترف مارسه إسماعيل هنية في غزة هو قيامه بارتداء دشداشة مكوية ، ذات يوم صعد للمنبر وخطب بدشداشة مكوية. وهذا ربما سيسجل عليه أنه مارس ترف المسؤولية في حين أن مسؤولين عرب قاموا بكوي شعوب كاملة من أجل ترفهم.
الغريب في الغزة أن كل فقر الدنيا وشقاء الدنيا وبؤس الحياة اجتمع فيها؛ لكنها أنتجت أكبر نصر وأكبر أشكال الكرامة في تاريخ العرب.
والأغرب أن الذين اجتمعت في أيديهم كل ثروات الدنيا، وكل ذهب العالم وأسهم الشركات وفنادق الغرب لم ينتجوا سوى الهزيمة. هل تعتبر غزة لغزا في تاريخ العرب أم أنها اختصرت كل العرب؟ .. لا أدري.