حتى لا نتحوّل إلى – هنود حمر -..!
محمد المحسن | تونس
“إلسعوا أول من ترونه،واستمدوا حياتكم من موته”(“أرسطو فان “الزنابير”422 ق.م)
إننا نقرأ التاريخ لنتعلم من خبرات الذين سبقونا إلى المجاهل،ولنعتبر بتجاربهم وأخطائهم إذا كنّا فعلا نحبّ الحياة ونعتقد بأننا نستحق هذه الحياة.
ما الذي أعنيه..؟
أعني أن أمريكا ليست إلا الفهم الأنقليزي التطبيقي لفكرة اسرائيل التاريخية،وإن كل تفصيل من تفاصيل الإستعمار الأنقليزي لشمال أمريكا حاول أن يجد جذوره في أدبيات تلك اسرائيل، ويتقمص وقائعها وأبطالها وبعدها الديني والاجتماعي والسياسي،ويبني عقائدها في”الاختيار الإلهي”وعبادة الذات وحق تملك أرض وحياة الغير..
ولقد كان لدخول أمريكا الحربين الكونيتين هو المعبر الأوسع إلى قدر أمريكا المتجلي وراء البحار لدمغ ظهور البشرية بدمغة الأنكلوسكسوت الحضارية،أو ما صار يطلق عليه اليوم في القاموس الأمريكي بالنظام العالمي الجديد.وكما جرت العادة في كل حرب فإن الرئيس الأمريكي (كان يومها وودرو ولسون) خرج على مواطنيه ليعلن عن ظهور مجاهل جديدة ووحوش جدد! وليقول إنه لم يورط أبناء الولايات المتحدة في الحرب،إلا للدفاع عن الحضارة ضد الهمجية وللدفاع عن “طريقة الحياة الأمريكية”. .!
وفي الحرب العالمية الثانية أيضا أعلن الرئيس روزفلت لمواطنيه أن أمريكا تدخل الحرب من أجل انقاذ العالم،ودفاعا عن الحضارة وعن طريقة عيشها.سأضيف:خلال الحربين الكونيتين كان السياسيون ونجوم السينما والإذاعات والصحف كلهم يمجدون الدور الأمريكي”الخلاصي”ويركزون على الإختيار الإلهي ووحدة المصير الأنكلوسكسوني وارتهان مصير الانسانية كلها لمصير العرق الأنكلوسكسوني المختار،كما عبّر عن ذلك رينهولد نيبور Reind hold Niebur في مقالته”المصير والمسؤولية الأنكلوسكسونية” (1) قبل قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية.
سأضيف ثانية: في أربعينيات القرن المنصرم دخلت اليابان أطلس المجاهل وانضم اليابانيون إلى لائحة الشعوب المتوحشة.و”سرعان ما صنفت دائرة الأنتروبولوجيا في مؤسسة سميثسونيان الثقافية اليابانيين مع الأعراق المنحطة!”(2)
وقد قال يومئذ العسكريون”إن اليابانيين ليس فيهم طيارون مؤهلون قادرون على التصويب في اتجاه الهدف،لأن عيونهم مشوهة منحرفة !”.
ما أريد أن أقول؟:
أردت القول أن التجربة الحيّة والمستمرة لفكرة أمريكا “فكرة استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة”قد بنى منها -هؤلاء الغزاة-لحم أكتافهم واقتصادهم القائم على “حق النهب”و”الفردية المتوحشة”وبها رفعوا صرح مدنهم على أنقاض المدن الهندية وسوروا حدائقهم بعظام الهنود الحمر.لقد كانت هذه “الجبهة” المتقدمة دائما الوجه السحري لأسطورة أمريكا حيث كتب القضاء والقدر للحضارة أن تنتصر على الهمجية وللإنسانية على “الوحوش” وللنور على الظلام،وللخير على الشرّ..ولإسرائيل على كنعان.. وللولايات المتحدة على كافة الدول العربية دون إستثناء..
واليوم :
يعتقد الأمريكيون اليوم كما كان أجدادهم المستعمرون الأوائل يعتقدون قبلهم،بأن لهم الحق المطلق في أن يقتحموا أي أرض تفوح منها رائحة النفط أو يتلألأ على تخومها بريق الذهب أو يرفض أهلها الوصاية الأمريكية اليانكية.
والسؤال :الخليج العربي اليوم ينزّ نفطا،فهل ستنزل عليه اللعنة صباحا ويلتف من حوله الاخطبوط الأمريكي عند المساء !؟
إن مقتل مائة هندي أو حرق قرية هندية كاملة بمن فيها،قد تحيله هوليود إلى مناسبة للضحك والتسلية،فيما هي تنسج من تلويح الهندي بيده في وجه الرجل الأبيض دراما مخيفة تجعلها عنوانا للعنف والوحشية التي تؤهله للموت،مما يعني أنهم قبل أن يسلبوا الهنود جهودهم في الحضارة الإنسانية ويعرّوهم من انسانيتهم،أسقطوا عليهم فظاعاتهم كالعنف وسلخ فروة الرأس والتمثيل بالجثث وغير ذلك مما يعتبر لازما لإبادة 112 مليون إنسان من “الأضرار الهامشية”التي تواكب انتشار الحضارة.
وهذا يعني أولا وأخيرا أن الجلاد الأمريكي قد جرّب أسلحة صيد كثيرة،لكنه أبدا لم يتخلّ عن هاجس الإبادة الكاملة،ذلك ان إبادة 112 مليون إنسان ينتمون إلى أكثر من أربعمائة أمة وشعب(3)،جريمة لم يعرف التاريخ الإنساني مثيلا لها في حجمها وعنفها وفظاعتها،لكنها جريمة لم تكتمل فصولا ولم تصل إلى غايتها المرسومة..على سبيل الخاتمة:إن عالمنا اليوم كلّه يعيش تحت رحمة مافيا كولومبس الذي أوصى بإستثمار ذهب أمريكا في “تحرير أورشليم”وأن الهنود الحمر الذين أبيدوا بالنيابة عنا،نحن العرب على الحقيقة،ما يزالون يعيشون فينا… وأرجو ان لا أكون قد تجاوزت الحد،.ولكني رغبت فقط،في تنبيه الذين يتابعون التداعيات الدراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط،بأن سيناريو العراق أو سوريا..
ليس هو السيناريو الأمريكي الوحيد لفيلم الأحداث المقبلة..
الهوامش:
1-)عن منير العكش كاتب سوري يقيم في واشنطن.انظر دراسته المستفيضة المنشورة بمجلة الكرمل الفلسطينية العدد 71 72 شتاءربيع 02 ص 80
2-)نفس المرجع.
3-) تعترف مصادر التاريخ المنتصر بهذا العدد من الأمم والشعوب الهندية وإن كانت تقلل من عدد أفرادها،غير أن الأبحاث التاريخية تقول ان هذا الرقم شديد التواضع،وأن أمما هندية كثيرة غير هذه الأربعمائة المعترف بها قد محيت من ذاكرة البشر.