حكاية بيت ( ساكنة بك ).. مطربة الخديوي سعيد

سعيد شحاتة | شاعر مصري

دا بيت المطربة الكبيرة والفنانة العظيمة (ساكنة بك) أهم مطربة في القرن التاسع عشر… البيت ده شفته وأنا رايح لستنا (نفيسة)… ولما دورت اكتشفت إن محمد علي هو اللي بناه لإسماعيل وإسماعيل أهداه لمطربة عصره (ساكنة بك).


أيوه… اسمها كده (ساكنة) بك… زي أم كلثوم في العصر الحالي كده… بس طبعًا لا حد كان بيسجل ولا بيذيع ولا في إعلام… فكانوا بيكتفوا بعصورهم والدنيا بتقف معاهم وبيموتوا فبيموت معاهم تاريخهم الفني العظيم… إلا من بعض الأسطر البسيطة في بعض الكتب اللي أصحابها كان عندهم ضمير…
المهم إن البيت دا مبني على حوالي ٨٠٠ متر كما يقال… وسقفه مطلي بماء الذهب وأرضيته رخام… طبعًا دا الكلام اللي بيتقال… لكن لما تشوف البيت والإهمال اللي صابه تحزن… خاصة لما تلاقي الدولة معلقة عليه يافطة بتلمع مكتوب عليها (هنا عاشت ساكنة بك) والحيطان شبه متهدمة والشكل الخارجي يبكي…

ولما يخطفك الفضول وتبص من الباب الخشب كأنك بتسرق تشوف أرواح كتيرة بتضحك وتغني وتبكي وتشوف ساكنة بك زي القمر وسطهم… بتبقى نفسك تقف تتفرج بس مين هيسمح لك بكده… خاصة إن الأهالي بيبصولك بصات غريبة وكأنهم عايزينك تمشي بعيد عن عالمهم عشان ما حدش ياخد باله….
ساكنة بك كما يقال اتولدت ١٨٠١ م…. وماتت ١٨٩٢ أو ١٨٩٨… ومن ضمن اللي عشقوها ووقعوا في غرامها الخديوي سعيد وكان بيناديها بساكنة هانم فالهوانم غضبوا فناداها بساكنة بك… ودا كان أبسط حقوقها كفنانة رائدة… شافتها أسرة محمد علي من منظور فني وعاملوها بمنتهى الذوق وأكرموها وادوها لقب (بك)…
طبعًا ساكنة شهرتها فاقت الحدود… واتعاملت كنجمة في عصرها… لحد ما ظهرت ألمظ اللي (ساكنة) عملت مش واخدة بالها من وجودها… زي ما الشعرا والكتاب الكبار كانوا بيعملوا مع الشباب قبل الفيس بوك… فضلت تتجاهل ألمظ لحد ما ألمظ كسرت الدنيا فما لقتش بد ولا مهرب من ألمظ فضمتها ساكنة بك لفرقتها من باب الاحتواء والسيطرة… لكن ألمظ تفوقت ومع لمعانها بدأ نجم ساكنة في الخفوت… وسابت الفن لكنها واظبت على الندوات الثقافية وفضلت تتسم بالسخاء والجود والكرم والمحبة… تخيل إنها ما اتجننتش ولا اتعاملت مع الناس بقرف بعد شهرتها الرهيبة دي… بالعكس اتعاملت بمنتهى البساطة وعاشت حياتها عادي جدًّا من غير شهرة ولا أضواء ولا تحايل على الأجيال اللي بعدها واكتفت بالندوات والأمسيات وعاشت عمرها الطويل ده في البيت الجميل ده…
الغريب والمحزن إن كله زعلان على ڤيلا أم كلثوم اللي اتهدت واتعمل مكانها فندق… وما حدش بيجيب سيرة بيت ساكنة بك اللي ما زال موجود وبحالته… واللي بدل ما يتحول لمزار سياحي اتحول لخرابة… ودا أمر محزن قوي… خاصة إنها جزء مهم من تاريخ مصر اللي بنعرفه بالصدفة وإحنا بنبص للبيوت القديمة المهجورة والمقامات المهدودة اللي مليانة أمراء وحكام وفنانين وقادة… وللشوارع اللي كل خطوة فيها تحتها تواريخ تملا كتب ومجلدات… وللحصو والطوب اللي مرمي على الجنبين واللي شاف وشهد على ناس وتواريخ وحروب وصراعات وفن محتاج آلاف المجلدات والكتب والمحابر… ساكنة بك اللي اتظلمت حتى في مسلسلاتنا وإحنا بنتكلم عن ألمظ…
ما علش أنا من كتر المفاجأة ذهلت فجمعت شوية معلومات عن الفنانة العظيمة دي بسرعة وقلت أطرح الموضوع… رغم إنه أكيد انطرح قبل كده… بس ما فيش مشكلة إنه ينطرح تاني وتالت ورابع لأنه مهم… من وجهة نظري
دا المكان اللي ممكن يتعمل فيه أمسيات شعر وندوات ثقافية ومسرح وليالي فن… لأن جدرانه متعطشة للكلام ده ومتعودة عليه… ولأن روح ساكنة بك وألمظ وعبده الحامولي وغيرهم لسه هناك… حتى لو مر بدل التاريخ تواريخ وبدل السنة آلاف السنين…
تحياتي وألف رحمة ونور على الناس الجميلة اللي شواهدهم ما بتختفيش مهما دار الزمن ولف…
ساكنة بك… الله يرحمك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى