قراءة نقدية في مجموعة “ضوء هناك ” للشاعر السوري زكريا شيخ أحمد

رشيدة الشائك | المغرب

(من فضلك اقرأ النص من الأعلى ثم من الأسفل)

أربع جنسيات خلقت لحظة الكتابة بالنسبة لي: بعث لي لصديق اليمني الشاعر عبد الغني المخلافي المجموعة الشعرية للأستاذ الشاعر زكرياء الشيخ أحمد من سوريا المقيم في ألمانيا،أرسها إلى المغرب بالضبط إلى مراكش.وأنا أقرأ مجموعتك كانت مقاطع أغاني الفنان العراقي الأصيل “قحطان العطار” تتناسل أمامي عنده سوالف كثيرة على حد قوله يحكيها لنا غناءا، وأنت تحكيها كتابة وشعرا الشاعر الأنيق زكرياء الشيخ أحمد.

يقولون وراء كل شاعر عظيم ألم عظيم:سعيدة بقراءة “ضوء هناك”ومشاركتك مغامرة السفر من الذات إلى العالم.

الإهداء إلى أمي دائما: لأن لا أحد منا سيحتمل صوت أنينك الموجع إلا قلب أم.

تهدينا رزمة أوجاعك المعتقة في كأس مثخنة  بطعنات ألم وطن وغربة والكثير من الصراعات الخفية /المعلنة، الكبيرة/الصغيرة،الملتوية/الواضحة،المعتمة،داخل ذاتك ذات الشاعر المتشظية.

ضوء هناك ،وحرب هناك، والشاعر المجنون هيثم أمين  يرسل لك إشعاع نور ليخبرك هناك شيء لا ينطفئ في أغوارنا السحيقة،مهما قست علينا الحياة.

الكتابة كما أشرت شاعرنا الشيخ زكرياء قلق وجودي مستمر تمتد جذوره ليخلخلنا،  

الشاعر الحقيقي في نزف داخلي دائم 

في قلق دائم وتبعثر دائم

ينمو ذلك القلق كعشب ربيعي مكثف بعد كل مطر

قلق يجعلنا نقول ما لا نريد قوله ،عن الحرب والخوف والحزن ،(وما تقوله الحروب ،وما يقوله القتلة للضحايا وما يقوله كل شيء لكل شيء ) وما لا يقوله عن اغتصاب وطن من طرف شرذمة قطاع أمل.

ولان الشاعر (القلِقُ )يزأر داخلك،تحذرنا كنبي  لخطر محدق بنا ،ذلك البشري الملعون المخيف  الذي إذا كبر  سيلتهمنا (إن كبر ذلك البشري …لن يرحمك سيطردك)، تنبهنا من خطر ن تغتال مشاعرنا  كل يوم (سيأتي يوم لن تشعر فيه بأي شعور-ستعيش بروح ميتة) وان نفشل في بلوغ شهوة عزلة .

ونحن نقرأ قصائدك  محترمين رغباتك  أن نقرأها مرة من الأعلى إلى الأسفل،ومرة من الأسفل إلى الأعلى  هنا أسألك شاعرنا : هل الرؤيا تتضح وتتجلى أكثر من الأعلى إلى الأسفل ؟ أو أن المعنى من الأسفل أعمق بكثير من الأعلى؟ هل تنطوي هذه الرغبة عن رسائل مشفرة تريد تمريرها لنا؟

وأنت تكتب لنا القصائد من هناك ،والحرب هناك، والمستبد متربص بأنفاسك هل قل عدد الأشرار  منذ أن بدأت الكتابة زكرياء الشيخ أحمد؟ أسألك  هل أزالت  الكتابة ذلك اللؤم من قلب لئيم تربص بك؟

هل كتابة “”ضوء هناك”أزالت بعض الغبار من نافذة غربة تطل منها علينا الآن؟

تبدع بشكل كبير في ‘الاتجاهين “هذه القصيدة  الأيقونة  كانت عميقة مؤلمة، الذي كتبها مواطن مسجون لسنوات  في أقبية نظام مستبد ،نظام يعرف :

متى نمارس الحب

يرانا كيف نغش  أنفسنا ونكذب عليها

يعرف خيباتنا الشاسعة

يحوم على أسرارنا 

يراقبنا ونحن نغرف في البكاء

بعد هذا  الوصف الشاعري الدقيق للخوف وسط  غابة وحوش آدمية تنقلنا دورة كاملة إلى قصيدة  لو أني كنت خشبا، وصادفت مدفأة فقراء لرميت بنفسي بكل رضا وسرور.

أحيانا القصائد تدخلنا مدارات العطاء،نتحول إلى البحر الدافق بالحب، رائع ما رسمه حبرك في هاته القصيدة ،وقصائد  أخرى :معك الأغاني لي،الأبواب لي، الحدائق لي، كأني أسمع همسات قصائد درويش بمعاني حب بسيطة والتي نتبع تفاصيلها الصغيرة، الأرض لي، الماء لي ،كل شيء لي.

وحتى يمكن أن نصمد أمام منشار الحياة ،وقلقها لأننا لا نعرف كيف تحولنا الحياة ،إلى عذوبة موسيقى أو تسكننا في سفر دائم ،أو منصة نعرض عليها خيباتنا المبتكرة  وقبل أي تحول يصيبنا قلق فظيع .

لم تضع أوقاتي وأنا أقرأ لك رغم أنك حذرتني من ذلك في قصيدة بعنوان رصاصةً في الرأس:

لا تضيعوا أوقاتكم في قراءة ما أكتب

فما أكتبه ليس مهما على الإطلاق

كل ما في الوجود  أهم من قصائدي  ومن رأسي

بدلا من إهدار وقتكم في القراءة 

ابحثوا عن  طريق للقضاء على الأشرار 

يمكن بالقراءة  أن نتصالح أولا مع عرينا وان نبتسم  له كما في قصيدتك (عشقني ظل)، وأن لا نكون (عالقون كما تعلق الحشرات).

مع القراءة  تصبح لنا أجنحة  التي تبحث عنها في قصيدة (الحياة كذبة تعج بالحقائق)، ونتنفس أزهارا بحرية  بعيدا عن مقصلة  الجبناء وصناع الحرب بعيدا عن التفجيرات والحرائق.

شاعرنا زكرياء الشيخ أحمد،أنت مدمن كتابة قصائد وبنفس طويل ،تكتبها بحبر دمك ، ومهما أنكرت وتلاعبت بالكلمات ،وكررت مقولة (لا أحلم أن أكون شاعرا) لست شاعرا،فأنت خلقت  معجونا بدم الشعراء ،انصهرت معهم، ومع كل احتراق ولادة جديدة وقصيدة في كل الاتجاهات .

لغتك ضاجة صاخبة وأحيانا بسيطة هادئة محصورة بين حرب وغربة  واستياء وقليل من الحب .

أحيانا تريد أن تزعزع ثقتنا بك (لست بشاعر)، ولكن نحن قراء  مجموعتك ونحن نراك شاعرا عميقا ،سافرنا من خلال ضوء هناك، إلى عالم  الشاعر زكرياء الشيخ أحمد بكل تناقضاته، وتجلياته، وهمومه، غليانه الإنساني، شاعر يحمل معه هم وطن بل أوطاننا جميعا،يحمل عبئا ثقيلا :ثقل وطن، ،ثقل غربة وهم شعر يخدم قضايانا.

شكرا الشاعر اليمني عبد الغني الذي أرسل لي المجموعة الشعرية (ضوء هناك) للشاعر السوري الشيخ أحمد زكريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى