قراءة في كتاب حصاد السنين بعد التسعين، (2021)، للكاتب محمد عمر قراعين
بقلم : د. روز اليوسف شعبان
يقع هذا الكتاب في 190 صفحة من الحجم المتوسط، إصدار دار الشروق للنشر والتوزيع. يستهل الكاتب كتابه بتوضيح فكرة الكتاب ومن أنها مجموعة خواطر بعضها كتبها قبل أربعين سنة وبعضها في سنواته التسعين، ورغم شيخوخة الكاتب الا أنه يوضح لنا أنه لا زال يحتفظ بذاكرته القوية، يقرأ ويشترك أسبوعيا في ندوة اليوم السابع، ويكتب، ويمارس رياضة المشي، ويستغل وقته بالكامل بما ينفعه وينفع الناس، فهو مقبل على الحياة بكل حبّ وأمل، حتى أنه يشكو أحيانا من ضيق الوقت. وقد يكون في قول الكاتب هذا رسالة هامة الى الكثير من الناس الذين يضيّعون وقتهم سدىً، فإذا ما وصلوا الشيخوخة يعتريهم اليأس لدنوّ أجلهم.
يحوي الكتاب مجموعة من الخواطر ، كما وصفها الكاتب، وإن كنت أميل إلى تسمية بعضها بالمقالات التاريخية والسياسية والفلسفية، ذلك أن المقال يحتاج الى التمحيص والتفكير والاستناد الى المراجع والبراهين والاثباتات وهذا ما فعله الكاتب في عدّة مقالات. كما نلمس في الكتاب سيرة ذاتية للكاتب، فيذكر سنوات طفولته وتعليمه وعمله وما شهده من أحداث النكبة في شبابه. فالخواطر التي جاء بها الكاتب إذن تستند في بعضها على تجاربه الحياتيّة وما اكتسبه منها من حكمة واستخلاص للعبر، وبعضها استمدّه من قراءاته وثقافته الواسعة التي بدت جليّة في صفحات الكتاب.
فنجده يكتب في عدة مواضيع: سياسية، تراثية، اجتماعية، اقتصادية، علمية ، دينية ،تاريخية فلسفية وغيرها.
من خلال هذه الخواطر وهذه المواضيع، يمكننا التعرف على فكر الكاتب وفلسفته في الحياة، فنجده يسعى ويبحث عن العدالة الاجتماعية التي وجدها في الفكر الاشتراكي وكان قبل ذلك قد ذكر العدل في خلافة عمر بن الخطاب وهارون الرشيد(ص25).
ثم يتحدث عن تاريخ الاسلام منذ الخلافة الراشدية ، وحتى سقوط الخلافة العباسية بيد التتر، فيذكر العديد من الخلفاء، والنزاعات والمكائد التي كانت تحاك في قصور الخلفاء، حتى أصبح الخليفة صورة لا أكثر . ثم يتطرق الى حرب المماليك للمغول وسيطرتهم على مصر، بعدها تنشأ الامبراطورية العثمانية التي يمتد سلطانها حتى الحرب العالمية الثانية. بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، تبدأ الدول الاوروبية بالنهوض فتتخلص من سيطرة الكنيسة، وتنشأ الثورة الصناعية التي تعمّق الطبقيّة بين الشعوب. فتنشأ على أثر ذلك حركات اصلاحيّة في حين تُخمد الحركات الاصلاحيّة التي قادها في مصر محمد عبده.
كما نجد فكر الكاتب يتجلّى في قضايا عديدة تتعلق بأمور الدين فنجده ينتقد تفسير المسلمين لبعض الآيات القرآنية بما يتناسب مع أهوائهم مثل الآية:” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”(صفحة 33)، يقول الكاتب: ” أخذنا منها الجزء الأخير وأسبغنا عليه قداسة خاصة،وكوّنّا لجانًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يشرف عليها المتشدّدون لاستنكار كل تطور غير مألوف لديهم، وإصدار الفتاوى في شتى المجالات، والتركيز على الجزء الجامد والسلبي من بعض النصوص”.ص 33
كما يتطرق الكاتب إلى الأحاديث النبوية ويأتي بالحجج على عدم منطقية بعضها مما ورد في صحيح مسلم وبخاري. ويتطرق الى الاصلاح الديني، الذي توخى منه الكاتب العدل، لكن ذلك لم يحدث، ولعل خيبة الأمل الكبرى كانت في ثورات الربيع العربي الذي توخّى أن تأتي بالإصلاح والعدالة، الا أن الأمر تحوّل الى محاربة الارهاب(ص57).
ثم يعود الكاتب بالتاريخ الى نشأة الحضارات القديمة قبل آلاف السنين وهجرة الشعوب الساميّة الى بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، لتنشأ فيها الحضارة البابليّة العريقة، تقابلها الحضارة اليمنية في مملكة سبأ التي برزت في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد. وحضارة الآراميين في سوريا. وفي مركز متوسط بين اليمن وسوريا، كانت الحجاز المركز الديني في الجزيرة العربيّة.
ولا يخلو هذا السرد من ذكر القضية الفلسطينيّة والنكبة والتقسيم وما آل اليه وضع الفلسطينيين من خسارتهم في الحرب عام 1947 وتشريدهم. وما تلا ذلك من انقلابات في انظمة الحكم في الدول العربية.
في المواضيع الفلسفية يتطرق الكاتب الى نظرية داروين وخلق الانسان، ثم توضيح الفرق بين مصطلحيّ التطوير والتطوّر، ويدعم ذلك بآيات من القرآن الكريم.
أما الصفحات الأخيرة من الكتاب وهي بنظري الزبدة فيضع فيها الكاتب فلسفته التي تلّخص تجربته في الحياة منها:
“قالوا زمان في المثل إنو الدهر دوّار
يوم بسايرك بدربك، بس الطبع غدّار” .ص 106
“الحِلم مسموح، والاعتدال أنسب، وان تاه عنا التوازن، خوفي الفشل أصعب”(ص108).
“بس الخلاف حول الشريعة في الدستور، خلق لنا النصرة وداعش وعقّد الأمور”.(ص112).
وعن تجربته في الحب يقول:
” “بالحب تعطي حبيبك بدون ما يطلب شيّ
الحب يجعل حياتك كلها ضي
تعيش زمانك هني بين الظلال والفي”(ص 116).
وعن عيد الأم نجد ان الكاتب يفضل الاحتفال بيوم العائلة:” أنا عندي، يوم العائلة يا الربع هذا اليوم، أترحم فيه عاللي مات وأحيي اللي بقي، وسبحان الحي القيوم”(ص120)
وعن أهمية الارتباط بالأرض يقول:” إن مصلحتنا ومصلحة أبنائنا، في الارتباط بالأرض والشعور بإنتاجيتها؛ حتى يقدّر أبناؤنا قيمتها ، فتظل عزيزة عليهم كتراث ومورد رزق”(ص135).
ولا يخلو حصاد السنين من الشعر، فيكتب عن الحب، الوطن، القدس، الأرض الطيبة، الشهيد، التمسك بالأرض وعدم الخضوع للسماسرة، وفي إحدى قصائده يوجّه نداءه الى زعماء الأمة بقوله:
“الحل بأيدينا نفرضه
لا نستجدي أحدًا
نصنع مستقبلنا بسواعدنا
نخضع أمريكا لإرادتنا
أمريكا تخضع للثوار”(ص159)
أما مسك الختام، فيتحدّث فيه عن فلسفته في الحظ والتوفيق، والفرص التي قد تأتي للإنسان وتجلب له الحظ، ومثل هذه الفرص، تكون نتيجتها ملموسة في ساعتها أو يومها، وأحيانا تظهر نتيجة التوافق بعد سنين.( ص188)
خلاصة القول إنّ الكتاب مرجع مهم في التاريخ والسياسة وأنظمة الحكم والفلسفة وغيرها، كما أنه يثري القارئ بالكثير من العبر والحكم التي استخلصها الكاتب من مدرسة الحياة.
مبارك الإصدار للكاتب محمد عمر قراعين وأجمل أمنياتي له بالصحة ودوام العطاء وبقاء الذاكرة حيّة ليثرينا بالمزيد من تجربته الحياتيّة الغنيّة والمثيرة!