الشاعرة لميعة عباس عمارة و عبد الرزاق الربيعي (وجها لوجه)
شاعرة العراق المخضرمة لميعة عباس عمارة تقول:
ما كان البياتي شاعراً كبيراً إلا بجهوده الدعائية الخاصة
محمد الماغوط كتب نثراً مركزاً جميلاً ونقداً سياسياً ساخرا
أدونيس شاعر لغته ذهب تدرج من الكلاسيكية إلى الحداثة وغالى فيها
لا أحتاج الى الإنتحار لأتقّرّب من الموت وأغرّد خارج سرب الشعراء جميعاً
الشعر هواية لي وبداخلي انكسار ولم أتملق النقاد ولم أهد لناقدٍ كتاباً !
حكاية الحوار
عندما علمتُ بوصول الشاعرة الراحلة لميعة عباس عمارة إلى مسقط بدعوة من النادي الثقافي للمشاركة بمهرجان الخنساء للشاعرات العربيات الأوّل عام١٩٩٩، وقد قدمت من الولايات المتحدة الامريكية، وكان برفقتها ولدها زيدون، حسب طلبها من إدارة المهرجان بسبب معاناتها من نوبات الربو المتكرّرة، أسرعتُ إلى مكان إقامتها في فندق” الخليج”، وطلبت رقم غرفتها، وكلّمتها، وحين جرى التعارف، عبر الهاتف، بين الصوتين، واللهجة، وتفاصيل أخرى، قالت: سأنزل حالاً، وبالفعل بعد نحو ربع ساعة وجدتها تختال أمامي، مثل أميرة سومرية، تزهو بتاج الشعر، والجمال الذي لم يجهز عليه الزمن تماماً ، ولا معاناتها من المرض، والشعور بالألم، والغربة، فبقيت منه بقيّة تسرّبت إلى الروح، جلسنا نتحدث عن أمور شتّى في مقدّمتها قواسمنا المشتركة العظمى: العراق، والشعر، والسيّاب، وعبد الرزاق عبدالواحد، الذي ترتبط به بعلاقة أسرية، إذ نشأ الاثنان ببيت واحد، فهي ابنة خاله (عباس عمارة ) الذي كان شاعراً أيضاً يكتب بالعامية، وكانت تكبر عبد الرزاق عبد الواحد بسنتين، أو ثلاث، ودرست معه في دار المعلمين العالية، وفي معرض حديثه عن السيّاب في مذكراته، كتب: ( أوّل مرة رأيت فيها بدر كانت في مستهلّ العام الدراسي ١٩٤٧/ ١٩٤٨م ، يوم قبلت طالباً في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية، وكان بدر طالباً في الصف الرابع قسم اللغة الأنكليزية ..عرّفتني به ابنة خالي الشاعرة لميعة عباس عمارة ، وكانت طالبة في الصف الثالث قسم اللغة العربية.. وكان بينها وبين بدر إعجاب فيه الكثير من المودة والزهو من جانبها، و ما هو أكثر من ذلك من جانب بدر ! .. و لعلَّ تعلق بدر بلميعة بذلك الإندفاع المحموم هو الذي جعلني أثيراً عنده ، عزيزاً عليه منذ أول أيام تعارفنا . لا أدري لماذا يحضرني الآن قول الشاعر العذري :
وأقسمُ أني لو أرى نسَباً لها
ذئابَ الفلا حُبَّت إليّ ذئابها !)
بعد ذلك انضمّ إلى جلستنا الدكتور ثابت الآلوسي، وخلال حديثي مع الشاعرة لميعة طرحت عليها فكرة إجراء حوار لجريدة” الزمان” اللندنية، فاعتذرتْ في البداية، لكنّني أصررت على ذلك، ثمّ استدرجتها بالكلام، حتى قالت لي: هاتِ أسئلتك، وفي الحوار فاجأتني بآراء لم أكن أتوقّعها، أدلت بها بكلّ صراحة، وجرأة، وسبق النشر تنويهات على الصفحة الأولى من الجريدة على مدى ثلاثة أيام مع صورتها، وأثار الحوار بعد نشره بجريدة الزمان. لندن. السنة الثانية. العدد(٣٠٦) الإثنين ١٩٩٩/٤/٢٦ جدلاً واسعاً ، وردوداً عديدة، وعدّه الدكتور عبدالإله الصائغ في كتابه “النقد الأدبي الحديث وخطاب التنظير” وثيقة مهمة.
واليوم أجد من المفيد إعادة نشره، تحية للشاعرة التي فقدنا برحيلها صوتاً شعريّاً نسويّاً مؤثّراً.
نص الحوار:
قبل أن التقي بها وضعت يدي على قلبي خوفاً من أن أرى يد الزمن قد امتدت الى وجه وروح الشاعرة الطفلة العاشقة المعشوقة لميعة عباس عمارة التي سمعنا عن حيويتها الكثير ويكفي أن “السياب” كان أحد الذي تولّهوا بها بل المهم وأشدهم خلال دراستها في دار المعلمين العالية “ببغداد” كما كان يروي لي الأستاذ الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وسليمان العيسى ورشيد ياسين وكما جاء في احدى قصائد السياب: ذكرتك يا”لميعة” والدجى.. وبقية البيت سقطت من ثقوب الذاكرة أقول : كنت أخشى أن تمتد يد الزمن التي لا مفر منها لتعيث فساداً في “قصيدة السياب” الجميلة لكن ما أن رأيتها نازلة من غرفتها في فندق “الخليج” بمسقط حتى زال خوفي وخفت على الزمن من المرأة القصيدة.
فها هي الشاعرة “لميعة عباس عمارة” تقف أمامي كما شاهدت صورها في الصحف منذ أكثر من ربع قرن تقدمت نحوها محيياً ومعرفاً بي، حينها تذكّرت صورة بدر شاكر السياب وتذكرت عبد الرزاق عبد الواحد وتذكرت “الجسر المعلق” و”دجلة” بالزهو أعجبه
إن الأحبة حوله كثر
هذا الجسر يفصلنا
وكان دجلة تحته بحر
خلفت جسور الكون موحلة
الا المعلق أمره أمر
وتذكرت الصديقة الشاعرة ريم قيس كبّه عندما كانت تقرأ لنا قصائدها في جلساتنا مقلدة طريقة أدائها، وتذكرت أيضا:
كل شعري قبل لقياك سدى
وهباء كل ما كنت كتبت
اطو أشعاري
ودعها جانباً
وادن مني
فأنا اليوم بدأت
سألتها: هل اتعبتك الرحلة من “كاليفورنيا” الى “مسقط”:
أجابت: بعد ثلاثة أيام طيران أحسست أنني سأحقق أمنيتي
وما أُمنيتك ؟
ـ الموت ليس على أرض أمريكا
لكنك ما تزالين تحتفظين بحيويتك:
ـ طبعا.. شباب .. أجابت ضاحكة بزهو.. وهنا لمحت الشاعرة فدوى طوقان فهرعت إليها واحتضنتها مثل طفلة تتعلق بأحضان أمها..
قبل أن أسألها السؤال التقليدي المقلق بالبدايات والمؤثرات وسنوات التكوين قالت:”اقرأ مقدمة ديواني “بالعامية” حيث قلت في مقدمته كل شيء تصفحت الديوان الذي زينت غلافه لوحة كاريكاتيرية لوجه الشاعرة الجانبي بريشة صلاح جاهين.. رسمها للشاعرة عام ١٩٧١ قالت لميعة “لم أعش كل طفولتي في بغداد التي ولدت فيها وإلا لكانت لغتي مقتصرة على مفردات محدودة مليئة بالفاظ وتعابير تركية انتقل أهلي الى (العمارة) وأنا في الصف الثاني الابتدائي ودرست فيها كما في سنوات (الابتدائية المتوسطة) في العمارة الحياة الاجتماعية بسيطة والناس يتعاونون في الأعراس والمآتم والأشغال والمهن وفي كل هذا المناسبات ينشدون الشعر وينظمونه ففي الأفراح يبدأ اللعب “مجلس الطرب” عصر كل يوم ابتداء من الخطبة في بيت العريس وهذه المجالس للنساء فقط البنات في هذه العصريات يرقصن ويغنين وقد ينظمن بيت الشعر الذي هو أساس كل الألحان ولذلك سموا هذا الشكل من النظم غزل البنات ولا تعرف القائلة ربما من باب التكتم والخجل وسرعان ما تصل الأغنية من الناصرية الى العمارة أو بالعكس لشغف الناس بالشعر والغناء ومن أدرك زمن النوم على السطوح في الصيف قبل استعمال المبردات يعرف جمال النجوم في تلك الليالي وما يقول العاشق والشعر عماد المجالس في المآتم ولأن الجنوب ومنه العمارة تحت وطأة الحزن من تموز الى الحسين لكثرة ما اسمع من شعر المراثي وجدتني أتابع ذلك بحزن شديد مما أثر في نفسي أعمق الأثر، بيئة كلها شعر من هوسات العمال يحملون قفاف الطين ويؤلفون الردات وبعضها للضحك والنقد الى لطم “اللطامات” تتوسطهن (القوالة) أي الشاعرة.. أما شعر البكاء الذي تنشده المرأة وهي جالسة فيسمى النواعي واحدتها نعوة أو نعاوة وبانهاء النعاوة يتعالى صوت الباكيات.
يرى البعض أنك تنتمين الى الجيل الثاني في خارطة الشعر العراقي الحديث والمعروف أنك عايشت مرحلة الرواد أين تضعين نفسك؟
ـ أنا خارج السرب، أضع نفسي خارجهم جميعا، لم أتكسب بالشعر، ولا يزال هواية بالنسبة لي ولا يهمني أين يضعني الناس يكفيني حب الجمهور في مختلف أعماره ودرجات ثقافاتهم الشعر الخالد هو الشعر الذي يحفظ ويروى ويطلب وقد وجدت قطعاً من شعري على بطاقات مرسومة يتهاداها العشاق في (بغداد).
درست في دار المعلمين العالية مع السياب والبياتي وسليمان العيسى وللسياب قصائد كثيرة بك، ماذا تتذكرين من السياب؟
ـ كان إنساناً رقيقاً جداً و مندفعاً وقلقاً.
لعلاقتكما أنت والسياب خصوصية هل بالإمكان توضيح هذه الخصوصية؟
ـ كنا نتكلم كأصدقاء كان يحدثني عن النساء اللواتي أحبّهن، ولم يبادلنه الحب، فأقوم بتهدئته آخذة دور المواسي.
وهل تطورت هذه الصداقة الى حب؟
ـ كنا متفاهمين كأذكياء، وكان حديثنا حديث الأذكياء الأصفياء بدون كلفة.
ومن حبيبات السياب غيرك؟
ـ لقد ذكر لي السباب جميعهن
هل تتذكرين هذه الأسماء؟
ـ نعم لبيبة القيسي، ولمعان البكري، وسعاد عبد الحميد ذات العينين اللتين لا يعرف لونهما، سعاد ذات الشعر السجين هي زوجة الأديب (ناجي جواد) حاليا.
وهل أحب ديزي الأمير كما تردد؟
ـ أظن رغم أنها في تلك الفترة كان يحبها شاعر الاسكندرونة
سليمان العيسى؟
ـ نعم
يرى بعض دارسي السياب أنّ (وفيقة) لا وجود لها في حياته؟
ـ هذا صحيح، لأنه لم يذكر على الإطلاق لي اسم امرأة تدعى (وفيقة).
ويرى البعض أنها لم تكن سوى رمز للميعة عباس عمارة؟
ـ نعم
ما الدليل؟
ـ ذكر صفات امرأة تلبس الثوب الأسود، وتقف على النهر، وصفات أخرى في قصائده تنطبق عليَّ.
ولماذا لم يذكر اسمك الصريح بدلاً من (وفيقة)؟
ـ لأنَّ زوجته كانت شديدة الغيرة، فلم يكن يجرؤ على ذلك.
ولكنه ذكر اسمك الصريح في إحدى قصائده؟
ـ حصل هذا فيما بعد.
متى؟
ـ عندما يئس من الحياة فلم يعد يهتم بشيء
وماذا عن انتماءاته السياسية؟
ـ كان قائداً في الحركة الطلابية عندما تحوّل الى الشيوعية، وأطلق عليه (ميرابو) تهكماً من قبل الادارة، وفصل سنة من الجامعة بسبب اندفاعه اليساري وضايقه الحزب الشيوعي.
لماذا؟
ـ أراده أن ينظم في كل حادثة تمر ما عدا عواطفه الخاصة.
هل بالإمكان توضيح ذلك؟
ـ قال لي مرة أنا مجروح القلب أدمى، ولا يريدون أن أقول ذلك، واذا جُرح فلاح، فلا يريدونني أن أكتب عنه، وكانت هذه بداية تحوّله ضد الشيوعية، ولقد كذب حتى أدعى، وهو يشتمهم أن الشيوعيين كانوا يغرونه بالملذات، الشيوعيون كانوا يضغطون عليه بقسوة الأمر، وليس بإغراء المستجدين، وهذه طريقتهم.
وكيف كانت ردود فعله؟
ـ كانت ردود فعل شاعر واستغلّت الجهة الثانية هذا الاختلاف وغذته.
ولكنه كان مندفعا نحو الشيوعية بادئ الأمر؟
ـ كان اندفاع شاعر، وليس اندفاع سياسي منظر، والشاعر عرضة للتقلب، ومن الخطأ جدا أن ينتظم الشاعر في حزب هذا ما قلته قديماً ، وأقوله حديثاً .
وأنت ألم تكوني منتمية؟
ـ مما يضحكني أنني لم أكن منتمية الى أي حزب، ولكن كنت، وما أزال أؤمن بالديمقراطية، فصار الذين كانوا في الحزب يشيعون عني في الأماكن المناسبة، وهم يعرفون مقدار تخوف هذه الأماكن، ويشيعون أنّني شيوعية، وصارت ثابتة للجميع.
وما ردودكم عليهم آنذاك؟
ـ كنت أضحك، وما أزال دون مبالاة، فقد كانت الآراء الديمقراطية الشيوعية معناها التقدمية وغيرنا رأينا في الاشتراكية كلها وتغيرت دول تعتمد عليها، وانهارت الشيوعية في محافلها ولا يزال البعض يتحدث بلغة الأربعينيات.
ـ أردت أن أسألك هذا السؤال الآن فصفة الشيوعية ملتصقة بك؟
– أخي كم شاهد يكفي لايصال انسان الى المشنقة؟
شاهدان.
– خصومي الذين يكيدون ويغارون منّي يشيعون بين الألوف ذلك، فكيف لا تلتصق التهمة وشهودي ملايين؟ ولماذا لا تلتصق بي إن كانت كذبا؟
وماذا تتذكرين من الشاعر عبدالوهاب البياتي زميلك في الصف الدراسي بالجامعة؟
ـ أعرفه طالبا لم يزر المكتبة لكنه حين يتكلم يقول: قرأت كل الكتب الموجودة في المكتبة.
يجمع النقاد أن البياتي شاعر كبير؟
ـ ما كان البياتي شاعراً كبيراً الا بجهوده الدعائية الخاصة.
هذا لا يقلل من القيمة الفنية لقصيدته؟
ـ له قصائد جيدة ولكنه ليس شاعراً كبيراً في نظري هو شاعر من الصفوف الثانية، أو الثالثة.
باعتبارك عشت مرحلة تأسيس القصيدة العربية الحديثة لمن الريادة؟
ـ لبدر شاكر السياب ونازك الملائكة.
قرأت مرة أن (جبرا) كان ضمن تشكيلة الرواد كما قال هو؟
ـ جبرا لم يكن شاعراً في حياته.
كثر في السنوات الأخيرة تداول المصطلحات في لغة النقد وتوصيف التجارب الجديدة فماذا تقولين مثلا في مصطلح (قصيدة النثر)؟
ـ هذا خلط بين الشعر والنثر رحم الله حسين مروان كتب من أجمل ما يسمى بقصيدة النثر، ولكنه سماها النثر المركّز، وهي التسمية الصحيحة.
أدونيس وهو من أوائل من عمم هذا المصطلح تراجع عنه وبمناسبة أدونيس.. كيف تقيّمين تجربته الشعرية؟
ـ أدونيس شاعر له لغة من الذهب ينطبق عليه ما ينطبق على بيكاسو تدرج في الكلاسيكية حتى وصل الى الحداثة، وغالى فيها.
ومحمد الماغوط؟
ـ كتب نثراً مركزاً جميلاً وبخاصة اذا كان نقداً سياسياً يعتمد على السخرية.
لا يختلف اثنان على شاعر عملاق كالسياب لكن شعر نازك الملائكة يثير التساؤل؟
ـ نازك لها كل مواصفات الشاعرة المثقفة المجدة، والمتفرغة، ولكن قسوة ظروفها وانطواءها في التشاؤم جعلها بعيدة عن قلوب أكثر الناس، والزمن ميزان حقيقي للتقييم بعد مرور كل السنوات نقول: لقد بقي هذا، وسقط ذاك لا ندري بعد مئة عام كيف يقيم الشباب، أو نازك لكننا نعرف جيداً كيف يقيم المتنبي فالزمن سيد الموازين.
تربطك صلة قرابة بالأستاذ الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد كيف تقيمين تجربته؟
ـ شاعر كبير جداً، حاول الكثيرون طمسه، وايذاءه، وتحطيمه، وما قدروا، وإن كان فيه نقطة ضعف تسهل الهجوم عليه وتغري عليه.
ما نقطة الضعف هذه؟
ـ إنه ليس من مازن فيها من يحمونه،ويفعلون كما يفعل، وعبد الرزاق عبد الواحد لا تشفع له طائفة ترد عنه سهام المعتدين، وشعره درعه، وقدرته الهائلة على نظم القصيد العربي بسهولة يقال عنه ما قيل عن جرير (يغرف من بحر) كتب الحر، والغزل والسياسة وفق في كلها.
ألا تشعرين أن النقد لم ينصفك؟
ـ نعم رغم أنَّ عالماً فيزيائياً في كندا اسمه د. يوسف مروة كتب عني كتابا اسمه ( الأبعاد الكونية في شعر لميعة).
لماذا برأيك؟
ـ ذلك لأسباب بسيطة يجب أن يعرفها الجميع، وهي إنني لم أتملق النقاد، ولم أهد لناقد كتاباً، ولن تقدّمني فئة، أو طائفة، أو رابطة للدراسات، والنقد الذي يكال جزافا لقصائد لا معنى لها، ويفترض فيها كل المعاني غير الموجودة لن يستطيع أن يرفع القصيدة أو يسمو بها الى مرتبة النقد الصحيح.
لكن النقد ضروري لإضاءة النص، واستشفاف أبعاده الفنية؟
ـ قصائدي نقادها قراؤها، وأنا أتلقى من أنحاء العالم ومن شتى الأعمار، والثقافات رسائل ومكالمات تطلب دواويني المفقودة في السوق، أليس هذا هو الخلود؟
أن يقرأك ويحفظ شعرك الجد، والحفيد بنفس القوة خارج حدود الزمن؟ نعم هذا هو الخلود، وليس ما يقوله ناقد.
لم يقرأ شعرك النقاد، ربما لأن أغلب دواوينك نافدة في السوق، لماذا لم تطبعي الأعمال الشعرية الكاملة؟
ـ الناشرون يستغلون الشاعر دون مقابل مادي وهذا ما حصل مع دواوين السياب، إذ طبعوا منها عشرات الطبعات دون أن يقدم الناشرون فلساً واحداً لعائلة السياب من البصرة.
وربما لأنك مقلّة؟
ـ لست مقلة، لكنني لا أجمع شعري، قصائدي متناثرة في كل مكان، مرة زارني المرحوم د. علي جواد الطاهر في البيت، ووجد قصائدي متناثرة، فأخذ عدداً منها وقال: لماذا لا تجمعين هذه القصائد في ديوان؟
لم أكن مهتمة أبدا
وهل هذا نوع من الكسل؟
ـ لا ولكن في داخلي انكسار ما.
من الشعر؟
ـ لا من الحياة فقد مات أبي، وكان عمري سبعة عشر عاما، وكنت في ذروة الشباب وبعد أربع سنوات مات أخي، فانكسر شيء فيّ
هذه النظرة السوداوية هي التي قادتك إلى الانتحار؟
ـ من قال هذا؟
قرأت مرة في مجلة عربية على شكل سؤال وجه لك في حوار.
ـ مَنْ المحرر؟
أحمد فرحات؟
ـ يبدو ان الخبر نصف صحيح، لأنني أقول أن الغزل عندي عملية انتحار، لأنني كشاعرة وطنية انقطع أحيانا عن الغزل احتجاجا على سوء الحال وهو بمعنى الانتحار أي أقتل في نفسي تلك المرأة الثائرة، وأصبح المرأة المسالمة المترفة الغزلة، وليس هو انتحاراً حقيقياً ولا أحتاج الى الإنتحار لأتقّرّب من الموت، لأنَّ كل نوبة من نوبات مرضي تقربني من الموت، وبسهولة أستطيع أن أموت دون انتحار.
وما مرضك؟
ـ ذات الرئة، ألم تر أنني أصبحت لا أستطيع الكلام شيئاً ، فشيئاً ؟؟
آسف لأنني أتعبتك بالاسئلة؟
ـ لا، أبداً، قل لي: كم بقي من الوقت للساعة الواحدة؟
نصف الساعة تقريباً .
ـ عندما يشير الوقت الى الواحدة ذكّرني لأخذ الدواء !