أعراسُنا ليست ساحة قتال

سهيل كيوان | مجد الكروم – فلسطين

بسهولة كبيرة تحوَّل الفرح في دير الأسد، يوم السبت الماضي، إلى ساحة معركة، بين رجال ونساء الشُّرطة والمحتفين في زفاف أحد أبناء القرية.

دير الأسد بلد جميل عُرف أهله في الطَّرب ومختلف الفنون، خصوصا الغناء والزجل، ويشاركون مشاركة واسعة وحماسية في الأفراح.

في دير الأسد نادرًا ما يدعون إلى حفل الزفاف بواسطة دعوات مكتوبة، فهم يدعون جميع أهالي البلدة بمكبر الصوت، ليس إلى الطقوس البيتية فقط، بل للمشاركة في قاعة الفرح كذلك، من دون دعوات رسمية.

دير الأسد بلد الزَّجل والطرب، وهي حاضنة لعدد كبير من الشعراء والفنانين، على رأسهم وأشهرهم المرحوم الشاعر محمد الأسدي، أبو سعود، المعروف منذ قبل النكبة حتى رحيله عام 1992، وهو والد الشاعر المبدع سعود الأسدي أبي تميم، وكان شقيقه المرحوم قاسم أبو غازي يرافقه في حفلات الأعراس والزجل.

من شعر أبي سعود في وصف قريته:

ربّي ما خلق مثل قريتنا

بحبها ع شِكِل كعبتنا

وجبالها كلها ورود وزهور

بالآخرة بتكون جنِّتنا

عنا عوايد من قديم دهور

ومن الصعب نغيَّر عادتنا

يا ضيفنا طول الوقت مسرور

حنا نقدملوا كرامتنا

إلخ….

ليس غريبًا أن تتخلل الكثير من أفراحنا مفرقعات مكثّفة، علمًا أنها عادات مستجدّة، وبعضها يتخلّله إطلاق الرصاص الحي، سواء من أسلحة مرخَّصة أو غير مُرخَّصة.

هذا بلا شك أمرٌ خطير ومزعج ومرفوض، فالفرح أجمل بكثير من دون إطلاق نار، وخصوصًا أن حوادث مأساوية عديدة حدثت في الماضي القريب والبعيد، تحوّلت فيها أفراحٌ في بعض قرانا إلى مآتم.

في العقد الأخير تفاقمت ظاهرة السلاح، وناشدت قيادات مجتمعنا العربي الشرطة بالتدخل لمحاربة الجريمة، وجمع السِّلاح غير المرخص، ولكنَّ التقاعس كان وما زال واضحًا، وما زالت حوادث العنف والقتل تفتك في مجتمعنا.

ما حدث في دير الأسد، لم يكن محاولة لفرض القانون، ولا يمكن إدراجه في مشروع مكافحة الجريمة والسِّلاح غير المرخّص، بل هي عملية فوضوية استقوائية من قبل رجال الشُّرطة، الذين اقتحموا الفرح خلال زفة العريس، وراح أفرادها يطلقون النار في الهواء بحجة وجود إطلاق نار في الفرح نفسه، أي أنهم جاؤوا لمعالجة إطلاق النار بإطلاق النار، ومن الطبيعي أن يستفز هذا العمل الأخرق الجمهور المحتفي بالعريس. ولم يتوقف الأمر عند إطلاق النار في الهواء، فقد أدى هذا الاقتحام السافر إلى مواجهة مع الجمهور، فأطلقوا النار وأصابوا شابًا إصابة خطيرة، الأمر الذي أدى إلى ردِّ فعل عنيف وغاضب وإحراق مركبتي شرطة، وإصابة عدد من المحتفين ورجال حرس الحدود، فيما جرى إدخال شرطيتين مذهولتين إلى داخل أحد البيوت لحمياتهما.

في كل تدخل للشرطة عند العرب تقع إصابات وحتى ضحايا، وبهذا ينطبق المثل “يا بِطخّه يا بِكْسر مُخّه”، وفي هذه الحالة إما الإهمال المتعمّد أو الهجوم العنيف.

المفروض أن تعالج الشرطة مشكلة السلاح غير المرخّص بأساليب غير اقتحام الأعراس والتجمّعات العامة، هذا إذا كانت النية حقيقية، فهناك طرق كثيرة لمتابعة واعتقال المسلّحين ورصد تحرّكاتهم بما فيهم من يطلقون النار في الأعراس ومن يتاجرون في السلاح، ولكن ليس في اقتحام عُرس وتحويله إلى ما يشبه المأتم! علمًا أن أصحاب هذا الفرح ينكرون حدوث إطلاق نار خلال الفرح.

الشُّرطة لا تعدم وسائل إثبات وشهادات مصوَّرة حول إطلاق النار، ولا طرق اعتقال من دون معارك لمرتكبي المخالفات، وليست بحاجة إلى مواجهة مباشرة مع الأهالي.

يُجمع أبناء شعبنا بأن إطلاق النار في الأعراس مرفوض، وبأنه عملٌ مزعج وخطير، ويجمع شعبنا على أن السِّلاح أداة موجهة ضدَّنا تهدف إلى تفتيت لُحمتنا ومناعتنا الاجتماعية، وتدخل في إطار سياسة القمع الرَّسمية.

شعبنا يعي جيّدًا الدوافع الحقيقية لممارسة الشرطة بهذه الطريقة العنيفة بحجة اعتقال مطلقي النار خلال العرس، فهذا حقٌ أرادوا به باطلا، فالدخول بين جمهور كبير بصورة تظاهرية بالسِّلاح ثم إطلاق القنابل الصوتية وإطلاق الرصاص هو عمل يقصد منه التَّرهيب وليس تطبيق القانون، وهو نابع من عقلية استعلائية تبيح لنفسها التعامل الهمجي مع العرب.

نعم يوجد منحرفون من أبناء شعبنا ومن ذوي المخالفات الجنائية ومن المستهترين، ولكن هذا لا يعني إعدامًا ميدانيًا لأحدٍ منهم، ولا يعني الاعتداء على حرمات الناس، بل يجب التعامل معهم من دون استعلاء عنصري.

التعامل العنصري مرفوض، سواء كان ضد رجال السّياسة والمتظاهرين العرب على خلفيات قومية ووطنية وكفاحية، أو ضد جنائيين من العرب، فالعنصرية أم كل الخبائث، وهي المسؤولة الأولى عن الوضع الذي وصل إليه مجتمعنا من عدم الأمن والأمان، وأعراسنا ليست ساحات قتال لا للجنائيين ولا للشرطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى