بين الترميز والتصوير.. قراءة في نصوص الشاعر المصري عمارة إبراهيم

د. هشام المنياوي | ناقد مصري

نص (إفاقة)  للشاعر عمارة إبراهيم يقرأ افقيا ورأسيا وعلى كل الاتجاهات: فمن رامه رمزا لأزمات تنتظر الإفاقة، فله ذلك ،ومن تغياه صورة أدبية ممسرحة لمشهد إنساني في أعلى درجات الشجن، فهو ذاك ،أنا قرأته بكل اتجاه ، و تردد اسم الجلالة (الله) في نفسي مرتين: مرة حين قرأت النص باتجاه الرمز، ومرة حين قرأته باتجاه الصورة.

وعند التعاطي مع الصورة الأدبية أنا كائن ضعيف أمام إغرائها النافذ ..فلا يمكن للمرء أن يتجاوز وصفك لصورة ذلك الذي كان ملء السمع والبصر والفؤاد ، وهو ممدد على أريكة الإفاقة بل إنك سلبته هذا التمدد ونسبته للأريكة وكأنه فَقَدَ كلَّ فعل ممكن:
أطرق الباب في صخب السكون
حين تأملت تفاصيل أريكته
الممتدة تحت جسد منهك
لن تعرف على وجه اليقين إن كان الزائر شخصا غير ذاك الممدد على أريكة الإفاقة ، أو أنه هو إياه، (صخب السكون) ليس من باب إضافة متناقضين وإنما هو ذاك السكون الذي يعتري المرء حين يرى نفسه ممددا على أريكة ينتظر الإفاقة وقد تصاخبت الذكريات في خلده رغم سكون زائف باد …
انظر كيف سُلب المرءُ الفعلَ، فغدا من جملة الحدث المفعول به الأوحد، وقد تعلقت بالطبيب وهو:
(يبني لي غرفة الانتظار في عمق أوردتي..) إنها صورة أشهرت وثيقة حب سكنت الوريد وجرت في الدماء ..لكنك لم تعد تمتلك أكثر من الانتظار عسى نوافذ الضوء تضيء درب النجاة ..وفي كل الأحوال( فالمشهد معلق حتى الإفاقة)!

نص: إفاقة
°°°
الوقت
يأكل كل البشر
وأنا في خريفه
أطرق الباب
في صخب السكون
حين تأملت تفاصيل أريكته
الممتدة تحت جسد
منهك
أرهقته متاهات العابثين
وذاكرة المفلسين
وألم الفعل
حين يرسو بمجدافه
نحو أفق
ضيق
ومستسلم.
عند جسر
متهالك
ﻻيقوي علي السير
في عمق اﻻتجاه.
جسد
ينام تحت مخدر ” البنج ”
ﻻيملك
غير التطلع
نحو حافلة
تتجه
إلي نهارات
ومدن
للضجر.
الوقت ، ضيق
لن يتسع لﻷلم
والطبيب
يبني لي غرفة اﻹنتظار
في عمق أوردتي
وعقارب الساعة
تصعد
وتصعد
بين المخاوف
حين تحمل نوافذ الضوء
وبين اﻷريكة التي
تدقق في انحدارها
إلي محطات
مرهقة
فوق أرصفة
الحياة
تراقب نفقا
موازيا
يمتد إلي طرق باب النجاة.
المسافة
هي المسافة
المشهد
معلق
حتي اﻹفاقة.
°°°

وأما عن قصيدة عمارة إبراهيم ” صفو عين”: سيمولوجيا الإفراد.. عندما يتم توظيف اللغة توظيفا يتسق مع الوجدان الذي يشتعل في بنية القصيدة تغدو البنية الصرفية متحالفة مع النسيج التركيبي في ترسيخ هذا الخيط الوجداني ..ولما كان الامتزاج في المحبوب بلغ حد التوحد معه والتماهي فيه كان استخدام جيش من المفردات المفردة (قرين المثنى والجمع) ذا دلالة بالغة على هذا التوحد والتماهي في ذات المحبوب فأحصينا هذا الكم غير القليل من الكلمات المفردة (صفو -عين – خطوة -جمرة قلب -حب -سماء-دمعة-جمرة-شهقة….) التي أبلغت عن التفرد والتوحد فأحسنت البلاغ.

نص: صفو عين

لتقترب
خطوة ، أو خطوتين .
لتشتعل
جمرة ، أو جمرتين.
روحنا
قلب ، لوريدين
يتنفسان
حبا ، لحب .
يضيئان
سماء لنا ،
كانت غيومها دمعة
من مقلتين.
لشتاء
فار الصقيعين .
علي ضفتين .
تقترب
جمرة ، أو شهقة
، حطت بين ، بين.
خريف عمر
أو ربيع شيخ .
يوقد نبض الشمعتين
أنا ، وأنت
لحياة
قطوفها
حب
ملء اليدين
صفو عين .

لحياة
قطوفها
حب
ملء اليدين
صفو عين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى