في حافلة
د. سامي الكيلاني – فلسطين
(1)
تمتطي صهوة الحافلات بعد غياب،
تعود لتسبح في بحرها الفسيح،
تقطف شهد العيون ومسك الكلام،
ومن خيراتها تملأ الخابية،
تصافح بسمة الناس الطيبين،
تصافح وجهاً يصارع النعاس،
“يا صديقي، ما الذي رماك في لجّة القلق؟”
ووجهاً يعاند الرحيل،
ووجهاً سارحاً في هموم لا تنتهي،
ووجهاً ينازل الهواء،
يقاتل الذباب،
يهشُّ عن يومه مصيبة نازلة.
(2)
تمدّ السمع لثرثرة الجار،
بلا مكرٍ أو ضغينة،
لا شفاء من داء الفضول،
قاتل الله الفضول،
إذ يدس أنفه الطويل دون إنذار.
هاتف يرن بإلحاح دون مجيب،
غريب أمر الهواتف،
كم تلحّ دون تعب؟
تطلق العنان للخيال، تنسج الحكايات،
عن مكالمة وئدت دون أن تدري السبب.
(3)
تسقط عن كاهل العين والذهن أمواج قلق،
تكافئ العين بأشهى الثمر،
تستوي الروح صفاءً على صفحة الماء،
تقطف من شجرة الغيم خيرها المستطاب،
تنام هانئاً في أرجوحة فوق السحاب.
(4)
ثمّ، وما أدراك ما ثمّ؟
يخرق الأذنَ صوتُه،
يكسر الروحَ خبثُه،
تمتلئ غيظاً،
تبقى سامعاً، منصتاً،
يرش باقات المديح مطليةً بسمِّ العسل،
تكذّب قوله تعابير الوجه،
كاذب من ينطق الحب وعظاً ناصباً منه فخَّ الفضيلة،
يرش كثيراً من “أليس كذلك؟”،
يرتدي “المهضوم” معطف الوعظ فضفاضاً،
ينتظر سقوط الطريدة.
(5)
تكبح الفضول،
تقرأ سطوراً من كتاب،
تغلق نافذة اللص، لص السمع.
تشتهي العين جولة دون رقيب،
لتنهل الروحُ هذا الجمالَ البهيّ،
من شمس تقابلك.
لكن راديو الحافلة،
يرميك بمذيعة تفرض صوتها،
تنمق الكلام بدمٍ خفيف “خفيف”،
وترش في الجو كلاماً فجاً غير مستطاب.
(6)
الجميلة تضغط الجرس،
تستريح الحافلة،
يمرّ البهاء ناثراً عطره،
يملأ الجو نجوماً راقصات،
حبيبات ضياء،
رذاذاً منعشاً يسري في ثنايا الحافلة،
حمامةٌ برية تهبط على مهلٍ،
غزالة تمشي الهوينا،
نحو تلة أثيرة الشموخ،
تلة غازلتك يوماً،
وأهدتك من عروقها ورداً وعناقيد فرح.