ما بعد الصعود على السلم
بقلم : عدنان الصباح
يمكن لأي كان على وجه الارض الفلسطينية ومن أي موقع كان ان يلقي حجرا في البئر كيفما اتفق فهل يمكن للعاقلين ان يعاودوا اخراج الحجر, فلا احد يمكنه اليوم ان يعيد لنا نزار بنات لا ممن يحتجون ولا من المتهمين بغيابه فكل ما في الامر اننا خسرنا نزار بنات وكسبنا الفجيعة ليس بنزار فقط ولكن فجيعتنا بالحريات ووضعنا على سكة القطار عربات من عجل واحد كل يجري الى مبتغاه دون حاجته للعجل الاخر ولن تستقيم سكة الا اذا توحد قطبيها ليس بالتطابق ولكن بالتكامل فعجل اليمين يحمي اليمين تماما كما يفعل عجل اليسار وليس بإمكان جهة ان تقوم بمهام الاخرى بنفس الوقت الذي ينبغي عليها ان تقوم بمهامها نفسها.
نحن بحاجة الى العجلين معا لكي تتكامل صورتنا ورؤيتنا واهدافنا أيا كانت الجهات التي سناتي اليها منها ففي غزة ترفع المقاومة اليوم رايات نصر ووحدة لم نعهدها من قبل وينشغل العالم بحكايتنا هناك ومعها حكايتنا في كل بقاع فلسطين فلم تسقط بعض ورقة الوحدة الوطنية العظيمة التي جسدتها مسيرة الاحد عشر يوما منذ اا أيار 2021 الا حين وجدنا انفسنا اسرى لدم رجل قال ما اراد ان يقول اكان ينبغي لهذا القول ان يأتي ام لم يكن ففي كل الحالات كان قولا لا علاقة له بالدم وبالتالي فان النهاية كانت فجيعة لكل فلسطيني على أي جهة اصطف فقد سقطت شعارات حط السيف قبال السيف وغابت شعارات الكفاح والوحدة والنهوض الوطني العظيم وحل مكانها شعارات جديدة ابسطها ارحل بل ولغة جديدة احتج عليها من رأى فيها خروجا عن المألوف والعرف والاخلاق وقال من يؤيدها ان الحالة بالإجمال اسقطت اخلاق اللغة وصار الهتاف اسفل من مرحلته ولم يعد لنا ستر نستخدمه لنخفي عيوبنا بل بتنا عراة امام جميع جهات الارض وناسها.
هل سنصل الى ثورة شعبية عارمة كما يريد البعض تطيح بكل النظام السياسي وهل حالنا يشبه حال الدول العربية التي رفعت شعار ” ارحل ” ونجحت بتحقيقه ام ان هناك ما يختلف وجذريا فالأنظمة التي سقطت في مصر وتونس لم تكن ترتكز على أي قاعدة او أي مشروعية احتفظت بها ولا زالت منذ اكثر من نصف قرن كما هو الحال في بلادنا فلسطين فعلى صعيد منظمة التحرير تتمترس فصائل عديدة معتمدة على رصيد من الفعل الثوري لا ينكره احد رغم ان الزمن قد مضى بعيدا وبالمقابل هناك قوى فاعلة على الارض اليوم وبحق لا زالت خارج هذه المؤسسة الاكبر قوة تمثيلية للشعب الفلسطيني حتى اليوم بمعنى ان هناك قوى في المنظمة وقوى خارج المنظمة … رسميي المنظمة ومعارضي المنظمة وهذا ينسحب ايضا على السلطة التي تقودها فتح ومعها بعض الفصائل وفي خارجها قوى معارضة رغم انها مشاركة في سلطة المنظمة والى جانبها حراكات صغيرة ناشئة تصعد رويدا رويدا لتشكل معارضة جديدة وغير رسمية.
المشهد الفلسطيني شديد التعقيد فمعارضي المنظمة والسلطة يجدون انفسهم امام قوى نفسها تشاركهم المعارضة ضد السلطة بخجل وتمتنع عن هذه المعارضة ضد المنظمة بل وتصطف الى جانب القيادة الرسمية للمنظمة دفاعا عنها بكل السبل, الذين يعارضون المنظمة ويسعون لإعادة بناءها يكتفون اليوم بما حققوا من مكاسب شعبية عبر الفعل المقاوم ومكانة غزة لدى الشعب الفلسطيني باسره خصوصا بعد 11 ايار 2021 والذين يعارضون السلطة يمكن تقسيمهم الى عدة اقسام القسم الاول معارضي المنظمة وتمثلهم حماس الراغبة بالسلطة وتسعى للمشاركة بها بل والسيطرة عليها والمتعففين عن السلطة كالجهاد الاسلامي التي لا ترى في السلطة أي مكاسب وبالتالي تترفع عن المشاركة بها او حتى الاهتمام بمكوناتها وتركيبتها وان كانت تعترض دائما على ادائها السياسي والكفاحي والقسم الثاني يأتي من فصائل منظمة التحرير التي شارك بعضها بحكومات السلطة مرارا كالديمقراطية وفدا وحزب الشعب والنضال او انها استنكفت عن أي مشاركة كالجبهة الشعبية او المعترضة اصلا على مشروع اوسلو والسلطة من قوى اخرى كالصاعقة والقيادة العامة وحزب التحرير والقسم الثالث هم الحراكات الجديدة والتي جعلت منهم التشكيلات الانتخابية وانتظام الكتل واعلانها قبل الغاء الانتخابات قوى موجودة على الارض تحاول ان تجد لها موطئ قدم حقيقي في الحياة السياسية الفلسطينية والتي جاء منها شخصيا المرحوم نزار بنات.
لم تكن فتح خارج انشطة الاحتجاج على مقتل نزار بنات بل الكثير من نشطائها عبروا عن احتجاجهم بشكل يفوق بعض المعارضين الدائمين للسلطة وبالتالي لا يمكن ولا يجوز فصل فتح عن حركة الاحتجاج الشعبي وهذا ينبغي ان ينتج عنه مشاركتها ليس في الانشطة فقط بل في الاليات وادوات وطرق التعبير والاهداف المرجوة على قاعدة ان اخراج فتح من ذلك يستتبع بالتالي وضعها في الجهة المقابلة وهو ما لن تقبل به قواعدها قبل قياداتها ومجرد وضع فتح في خانة الاتهام عمليا وهنا اقصد انه لا يكفي ان يردد المشاركين في الاحتجاجات انهم يفصلون بين فتح والسلطة بل يجب ان يطلبوا مشاركة فتح في الراي والتنفيذ بمعنى ان تكون فتح جزء اصيل من الانشطة الاحتجاجية واهدافها والا فان الكارثة قادمة واكثر مما يتوقع احد.
لا يمكن لاحد فصل فتح عن السلطة او العكس الا بإرادة فتح نفسها كما ان احد لا يمكنه ان يلغي وجود فتح وحاصنتها الشعبية وعلى الراغبين بذلك او الذين يعتقدون ان تحييد فتح امر ممكن يجعلها تترك لهم الفرصة للانقضاض على السلطة ومكوناتها بما في ذلك الوصول الى شعار ارحل واسقاط النظام السياسي الذي تعتبره فتح ابنها ومن صنعها وهي بالتالي لن تتخلى عنه , ومن جانب اخر فان فتح ترتكز على تاريخ عميق من النضال ليس اخره مشاركة قاعتها الشعبية في الهبة الشعبية العظيمة في القدس والضفة اثناء حرب اا ايار وهو ما يجعل منها قادرة على الوقوف امام الجميع في الضفة الغربية.
ان المطلوب اليوم ارادة وطنية فلسطينية واحدة موحدة تجعل من البيت الفلسطيني ملاذ الجميع ومن القانون الاساسي ووثيقة اعلان الاستقلال مرجعية وطنية ملزمة للكل الفلسطيني بكل الاطياف ويقود بالتالي الى وثيقة شرف وطني تؤسس لإيجاد الاليات العملية للوصول الى يوم الانتخابات باعتبار انها اداة التغيير الوحيدة الممكنة وهنا ليس المطلوب ابدا تغيير الشخوص بل تغيير النهج وصولا الى سلطة وطنية ديمقراطية لا تضع حدا للحريات ولا للمسائلة بل تجعل ذلك بلا سقف على الاطلاق الا سقف فلسطين وشعبها وقضيتها وهذا يعني ان الدعوة الى مؤتمر شعبي يجتمع تحت سقفه الكل الفلسطيني وفي المقدمة منه فتح وحماس وكل الاحزاب والقوى والحراكات والقوائم الانتخابية تكون قادرة على الخروج بوثيقة الشرف الوطني الفلسطيني وتعتبر عقدا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا اعمدته الحريات والمسائلة والشفافية والانتخابات طريقا وحيدا للتغيير وتداول السلطة والا فان مقتل نزار بنات الذي جعل البعض يصعد على راس السلم دون ان يحمل معه كل المكونات والادوات المشكلة للحالة الفلسطينية فهو اذن سيكون امام خيارين اما ام يلقي بنفسه من على راس السلم منتحرا وسيكون ذلك بمثابة كارثة وطنية او انه سيعتبر سقوطه سقوطا للوطن والشعب ويلقي بنا جميعا من على راس السلم قبل ان يسقط هو فلا نصر الا بالشعب ولا وحدة للشعب الا بوحدة كل قواه وفي الحال الفلسطينية لا يمكن لاحد اخراج احد او ابعاده عن دوره ومكانتها في صياغة الغد الوطني لفلسطين وشعبها ايا كانت مكانته ويعني ذلك ان المطلوب نزول جماعي عن اعالي سلالمنا المختلفة لصالح الصعود معا على السلم الوطني المرتكز على جدار الوطن والشعب لا سلم الهاوية والفراغ الذي لا يرتكز على شيء.
ان فتح اليوم تفهم من شعار ارحل انه ليس موجها للرئيس بل لفتح نفسها وبالتالي فهي مستعدة لحماية هذا النظام بكل ما اوتيت من قوة وكما اشرت سابقا فان ارحل التي نجحت ضد حسني مبارك والحزب الوطني الديمقراطي لا يمكن لها ان تجد النجاح ضد فتح والرئيس عباس بسب الاختلاف الجذري في الحالتين بين حزب اسسه رئيس وهو في قمة الهرم فجاء جسمه من المنتفعين ومن لف لفهم وبين حركة انغرست ولا زالت في النضال الوطني ولم يجف بعد ولن يجف دم ابنائها في هذا الوطن الا بعد تحريره وهنا يصبح المطلوب من فتح نفسها ومعها كل قوى الشعب ترحيل الفساد وكبت الحريات والمحسوبية والرشوة وما شابه الى المحرقة وتنظيف جسم النظام السياسي الفلسطيني من كل امراضه واستعادة الوحدة الوطنية واطلاق الحريات والمسائلة وترسيخ الشفافية والعدل في الحكم والياته وادواته والاقتناع بان ذلك لن يكون ولا يجوز ان يكون الا بالانتخابات الحرة والنزيهة على كل المستويات تؤسس وترسخ فصل السلطات كليا والتداول السلمي الدائم للسلطة.
ان المطلوب اليوم باختصار شديد ترحيل الامراض لا ترحيل الاشخاص والايمان المطلق بان ذلك لا يمكن له ان يتم دون ارادة جماعية ومشاركة جماعية بعيدا عن الاقصاء بكل اشكاله وعلى قاعدة وحدة الجميع على اساس ان فلسطين للجميع.