ماركس وفرويد ينقضان أسس الصهيونية

سعيد مضيه | فلسطين

زمن ماركس لم تظهر الصهيونية، كان النقاش يدور حول “المشكلة اليهودية”. كتب ماركس عام 1843 بحثا عنونه “حول المشكلة اليهودية”. في ذلك البحث حطم ماركس سلفا كامل الإطار الفلسفي الذي برزت عبره الصهيونية. في البحث شرع ماركس يناقش موضوعة برونو بوير الذي جادل من قبل ان حل “المشكلة اليهودية” يتحقق بدولة علمانية مثل الولايات المتحدة.

رد ماركس ملاحظا، شأن توكويفيل وغيره كثر الدور الرئيس الذي يلعبه الدين في المجتمع الأميركي، ومن ثم في الحكم.. رأى ماركس أن الدولة العلمانية لاتعارض الدين في الحقيقة، لكنها تتقبل وجوده.

أتم ماركس بحثه “حول المسألىة اليهودية” قبل أن تتبلور في ذهنه فكرة الصراع الطبقي؛ ومع هذا قال إن الناس بالولايات المتحدة ليسوا أحرارا نظرا لخضوعهم لحكم المال والسوق.

وكل من يفقد حريته لايستطيع منح الحرية للآخرين. وأنا –كاتب المقال- أضيف ، أن ماركس توقع ودحض مقدما ليس فقط ما سوف يغدو صهيونية ، بل ودحض أيضا الفكرة السائدة في الزمن الحالي بصدد سياسات الهوية. ما يتضح في بحث ماركس أن أي حركة سياسية تستهدف فقط تحرير مجموعة بشرية لوحدها سوف تفشل في نهاية المطاف _ بغض النظر عما تقدمه من مكاسب قصيرة الأمد. ومن وجهة نظر ماركس فالتحرر الإنساني الوحيد هو تحرر جميع شعوب العالم. في نظر ماركس تحرير اليهود يجب أن يكون جزءًا من تحرير الشعوب الخاضعة لحكومات لا تخدم سوى مصالح الأثرياء.

بعد ثمانين عاما من ظهور بحث ماركس اخذت الصهيونية تكسب الأتباع في اوروبا وكذلك بفلسطين. في فلسطين تكونت المشكلة الملازمة للصهيونية منذ الولادة من تناقضها مع المواطنين الفلسطينيين. حينذاك دفعت الأحداث بفلسطين سيغموند فرويد( عالم التحليل النفسي الشهير ) لطرح أفكاره حول الصهيونية .

كان العام 1929 نقطة تحول ؛ حيث انعدام الألفة بين العرب واليهود أخد طابع العنف. في آب من ذلك العام ، نظمت مجموعة من اليهود تعد بالمئات مسيرة نحو الجدار الغربي من مسجد الأقصى تهتف ” الجدار لنا”. وفي اليوم انطلقت جموع الفلسطينيين تهاجم اليهود في البلدات المجاورة، بلغت ذروتها في مدينة الخليل ، ومعظم الضحايا كانوا صهاينة . يهود عاشوا يسلام جنبا لجنب مع العرب ، مسيحيين ومسلمين، قرابة ألف عام او يزيد، وجدوا أنفسهم بغتة رهائن المشروع الصهيوني.

اوائل عقد الثلاثينات بعث حاييم كوفلر ، رئيس فرع فيينا للكيرين هاياسود ، منظمة أنشأها المؤتمر الصهيوني لجمع التبرعات ، رسالة الى فرويد، تطلب منه ومن اليهود البارزين في أنحاء العالم، اتخاذ موقف عام دعما لدولة يهودية بفلسطين. حفظت الرسالة ورد فرويد عليها بسرية تامة حتى العام 1990. يمكن العثور على رد فرويد في مقالة ظهرت العام 2019 كتبها رو اورانيم،

عنوان المقال ” ماذا فكر فرويد حقا بصدد الصهيونية؟في 9 آب 2019] أورد مقتطفات منها : “لا أستطيع التصرف وفق رغبتك؛ فكل من يود التاثير بالجماهير عليه ان يقدم لهم شيئا رافعا ولاهبا ، وحسب تقديري الحصيف فالصهيونية لا تقد م شيئا من هذا القبيل.” بعدذلك قدم تقييمه الحصيف :”لا أعتقد أن فلسطين ستكون يوما دولة لليهود، ليس لأن العالمين المسيحي والإسلامي سوف لن يسمحا بوضع اماكنهم المقدسة تحت الرعاية اليهودية؛ وكان اكثر معقولية في نظري لو تمت إفامة وطن لليهود في بلد غير مشحونة تاريخيا ، ولكني أدرك ان وجهة النظر العقلانية سوف لن تكسب حماس كتل بشرية والدعم المالي من جانب الأثرياء” .

أبدى فرويد تعاطفه مع المهاجرين اليهود ضحايا الأحداث المؤلمة، لكنه أعقبها بقول آلم كوفلر ، إذكتب فرويد: “ان التعصب عديم الأساس لشعبنا هو الملوم جزئيا عن إيقاظ شكوك العرب؛ لا اتعاطف مطقا مع رأفة غير مرشدة تحوّل جزءا من حائط هيرودوس الى تراث قومي، وبذلك تسيئ الى مشاعر سكان البلاد الأصليين”. انهى فرويد رده بالقول :” والآن احكم بنفسك هل انا ، بوجهة النظر النقدية التي احمل ، الشخص الملائم لكي انبري لتقديم العزاء لشعب مخدوع بامل لا مبرر له؟”

كتب كوفلر بالعبرية على الزاوية العليا من رسالة فرويد ” لا تدعوا الأجانب يطلعون عليها”، اودعت الرسالة وعليها ملاحظة كوفلر في أرشيف المكتبة الوطنية لإسرائيل. كلمة “أجنبي” في ملاحظة كوفلر ترجمها رو أورانيم عن الكلمة العبرية “زاريم” في مقالته المنشورة عام 2019؛ فمن قصدهم كوفلر بكلمة “اجنبي”؟ قالت صديقة تتقن العبرية سألتها أن زاريم تعني أيضا شخص غريب او من خارج كيرن هاياسود.

إن الأخطا ء الجذرية في المشروع الصهيوني والصدامات والمشاكل المترتبة بالضرورة قد أبصرها ماركس وفرويد في أصولها. وهذه الأخطاء باتت مكشوفة في نظر أعداد متزايدة باضطراد في مختلف بقاع المعمورة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى