سألقاكَ يا حُلمي العَنيد
فايز حميدي | شاعر فلسطيني مغترب
-١-
يا وَطناً
أرشَدَني نورٌ وَعانَقني صوتٌ
فجئتُ إليكَ من فَضائِي النَحيلِ
ومجامِرَ السِنينِ
أشتكي يأساً ألِفناهُ
وَظلمةٌ عَمياءُ
تَعجُّ بِالأَماني الضَائِعةُ
أشْتكي طَريقاً يُدَحرجُ أهوالهُ ويضيقُ
في زمنِ الهوانِ واللغةُ المَخنوقةُ
تاهَ كَبِدي وانشَطرْ
والجحيمُ حارقاً لُغة السَّكينةِ
كلُّ حرفٍ بَعدُكَ :
هَباءٌ
رِياءٌ
جَفاءٌ
مساحةٌ جرداءَ
أجيالٌ فَقَدت حلمُها وأبْجَديتُها
يا زَمنَ الفَجيعةُ
منذُ خَمسونَ عاماً
رِياحُنا مَسمومةٌ صَفراءُ
والشّمسُ لا تشرقُ هُنا
سحابةٌ باهتةٌ هُناكَ ، نذيرُ شُؤمٍ
كَسحابةِ الخَريف الثَقيلة ..
ودُخانٌ مُتَسِخٌ هٌنا
بومةٌ تنعقُ في الشَوارعِ الصمَّاءِ
وَمدائِنُنا تتقاطرُ بؤساً
وأنا أعْتَصِمُ بِجوعي
لا أكلُّ إلا احْتِضاري
صباحُ الخيرِ يا دِمَشقُ
يا امرأةً تُغذي صَبّرها بالصَمتِ والعُزلةِ
وَتنضَحهُ بعبراتِ الليَالي
وتواريهِ بالبسمَةِ !!
صباحُ الخيرِ يا مُخيَّما لا يَنامُ !!
يحتفي بالشمس والزَهرة
وبسخاءِ العاشقِ ، وبالعودَةِ ..
صباحُ الخيرِ يا أزِقةُ المِيدانِ
يا أصيصَ الوردُ والسجادَ والشبُّ الظَريفِ والفلُّ والياسَمينُ …
صباحُ الخيرِ يا مَعهدَ الغيثُّ ، والمُبدعُ العَربيَ ..
صباحَ الخير يا دكتور©
صباح الخيرِ يا بَرَدى
أيها النَهر الكئيبُ المخُتَنق .
دِمشقُ تتكاثرُ فُقراً
دِمشقُ جِدَّتنا أُطْفِئتْ أضْواءُها ..
-٢-
يا وَطناً ..
يا أنشودةً تُزهِرُ في دَمي
جئتُ إليكَ بفرحةِ زهرةٍ مُنّورةٍ
تفيءُ إلى ثمرةٍ
جئتُ إليكَ على جناحِ فَراشةٍ
وَظِلها الجَريح
تواري وَجُهها بِراحَتيها
بينَ الصَدى والأَنينِ …
جئتُ إليكَ من وجعِ السِنينِ
برعمٌ يابسٌ ولحدٌ وَديع
تُعانٍقُني قصيدةٌ وحلمٌ وَضياء .
يا شَمساً أشْرِقي في القُلوبِ الدَاميَّة
لغةٌ خضراءَ ورفُّ عَصافيُّر وَصَلاة
واطْفِئي سَعيرُ نارٍ أوقَدَها الطُغاة
الأرضُ ضاقتْ بِنا والليلُ داجٍ
الريحُ أطفَئتْ السِراجَ والهمُّ ألوانُ
والسُحبُ أسْدِلتْ والبَدرُ حَيرانُ
والظِلالُ شَاحِبةٌ في فنائِها الدارُ
يا جَحيماً يُسمى بِلاداً
رَحيقُ العمرِ فيهِ للغَريب
يَرضَعُ الأحبابُ من ثَديٍ جَحود
وبينَ الضُلوعِ قَلبٌ عَليل
-٣-
يا أحبَّتي
لا بَدرٌ يَلوحُ هُنا
وفي القلبِ خُذْلانٌ وكثبانُ
أضلُّ طَرَيقي وأشردُ وحيداً كالموت
وأعدُّ اللياليَ خَريفٌ خَريف
يا وَطناً يَستوطِنُ بالجرحِ وبالجُرح يُنازلُّ
أنتَ مَقهورٌ وَقاهِر
أنتَ مَكسورٌ وَكاسِر
أنتَ مَهجورٌ وَهاجِر
أنتَ مَنحورٌ وَناحِر
وأنا الغَريبُ الغَريب
جَدِفوا يا أحِبَتي
وجهَةِ الشاطِئِ الَذي لا أسمَ له
نَمْضي إِلى غَدِنا بأمَلٍ رَغيد
وَفجرٍ جَديد
وَبحرِ جَديد
بَحرُ الحياةِ غَير المُتناهي
سألقاكَ يا حُلُمي ، يا مَلاكِ الوَديع
فَضاءٌ عابِقٌ بالشَّذى …
هي الحِكمةُ الجَذْلى والحُزنُ العَنيد
•••
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ) ..
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
© الدكتور المهندس هيثم زرزور .