نص مصلوب على طلل أو في رثاء حلب
عزيز فهمي | كندا
“مدخل…”
يحضر في شعر المتنبي
سيف الدولة
يحضر الآن في قصاصات الأخبار
أبو لهب
أصبحنا مجانين الخراب
لذا “كلنا…” صرنا مثل حلب…
حلب التي كانت أغنية
في فم الغجر
تسدل شعرها على الأوتار
تهب خصرها للصدفة
للريح
لأمواج البحر
وللسؤال
تعلم الآلهة كيف تكون أسطورة في الأسطورة
كيف تتناسل في القصائد
حلب الجميلة
حلب سيدة الأمكنة
صارت صلاة جنازة في كف يتيمة
مرغمة على تجفيف دموع الورد
كي تجد شعاع شمس
تُعِدُّ طريقا إلى المدرسة من فراغ للأطفال
تمشي إلى جوعها
ولا تبكي
يتيمة
مرغمة على تعليب تغاريد العصافير
في النايات الشاحبة
بحثا عن لحن موسيقي لنشيدها الوطني
مرغمة على تجميع الدعاء من تحت الأنقاض
كي تنجو من الإنقراض
لأن حلب سماء مزقتها الخوذات
فاختفت منها النجوم كاختفاء النمل
تحت المطر
أرض بقرتها الأحذية المتعبة
بالمسافات
المسافة بين حمرة الكرز وحلاوة الصلوات
بين الأسود والأبيض حين يفتح الفجر فمه
فيعلو الأذان في حناجر المحال
لكن لا قِبلة تقبل وجوه الكلاب المسعورة
الكل صار ماغولا وتتارا
يموت
يحيا
ويضحك
حلب التفاحة الأرضية
التي عرت حقيقة الفرس والرومان
جفاف الآبار من الرؤى والأحلام
أعلنت أمام الملائكة بيان الشياطين
فارتكبت خطيئتها
لكن لا أرض أخرى لها
تنزل إليها
لتبدأ من جديد قصتها الحزينة
يا مهيار الدمشقي
يا ابا العلاء
ويا من على صهوة أشعاره تنبأ
الكل يُصلب أمام النوافذ
الأمهات
الأطفال
الظلال
جدران الأمويين
ضفائر زنوبيا
بغلة جلال الدين الرومي
حمار شمس الدين التبريزي
حمامة أبي فراس
وتُصلب مياه الفرات
لا شعرة معاوية تنفع
منذ قايضوا فيها الماء بالدماء
منذ اختلط الطحين بالرماد
في الخبز وفي الدمار
منذ صارت الألوان لونا واحدا
أحمر في كل مكان
منذ اختفت السماء من السماء
منذ صار “الأمير” كتاب الطوائف المقدس
فضاعت “كان…”
في تيارات السراب
وتاهت “سيكون…”
بين عاصمة
وعاصمة
وبقيت القبائل تتقاتل
على طلل منهد
وحنين حزين
وبقيت حلب يتيمة
لا تثق في الظلام
لا تثق في الشمس
لا تَأْمن لأحد….