أغنيــةُ الصيّــــادِ

فضل خلف جبر | العراق – أمريكا

الأمورُ الصغيرةُ تلدُ أموراً كبيرةً

تبدأُ الأشياءُ مثلَ سمكةٍ صغيرةٍ
بحجمِ ضحكةِ طفلٍ
أو سقسقةِ عصفورٍ
أو أغنيةِ صيادٍ وحيدٍ في أعالي البحارِ
ثمَّ تكبرُ لتصبحَ حيتاناً
أو حروباً كونيةً
أو قصصَ حبٍّ فاشلةً
أو صداقاتٍ عظيمةٍ…

تولدُ الأمواجُ من وشوشاتِ اللؤلؤِ
ثم تنداحُ على وجهِ البحرِ لتغدو طوفاناً
حين تتلبسُها أرواحُ الأعاصيرِ الهادرةِ…

تخيّلْ أنَّ كلَّ موجةٍ سمكةً صغيرةً تناجي الغيومَ
فأيُّ غيمةٍ يمكنُها ألا تذرفُ دموعَ الفرحِ!
كثيراً ما تحملُ الغيومُ في سلالِها سمكاً، بدلَ الأمواجِ
ثم تودعُهُ في أماكنَ مجهولةٍ
لعبةٌ قديمةٌ يمارسُها البحرُ
حين تضجرُهُ بلاهةُ الملّاحين…

لا تستهنْ بالهمومِ الصغيرةِ أبداً

ما لم تكنْ أنتَ نفسُكَ سمكةً،
فلا تتهمْ قلبَ السمكةِ بالغباءِ
نعم، للسمكِ ذاكرةٌ سريعةُ النسيانِ
لكنَّ لهُ قلوباً بريئةً كالأطفالِ
قلبُ السمكةِ ينسى
لكنّه لا يتوقفُ عن ترديدِ نشيجِ الماءِ
لم أكنْ سمكةً يوماً ما
لكنني، أعترفُ، كثيراً ما كنتُ قلبَ سمكةٍ…

وحينَ ترى سمكةً تسبحُ وتلعبُ جذلاً،
تذكّرْ أنَّ هناكَ قلوباً كثيرةً عالقةً بشباكِ الصيدِ
وما لم تكنْ أنتَ نفسُكَ سمكةً،
فلا تتحدثْ عن ضيقِ الشبكةِ
كنْ سمكةً أولاً
ثمَّ اكتبْ مدائحَ طويلةً
في مناقبِ الطعمِ والسنّارةِ…

ليسَ كلُّ ما يخرجُ من جوفِ البَحرِ
ينتهي في فمِ الصيّادِ

بسنّارةٍ وطعمٍ جيدٍ والكثيرِ من الحظِّ
يمكنُك عقدُ صفقةٍ جيدةٍ مع الشيطانِ،
بل حتى مع الربِّ نفسِهِ،
وأرجو أن لا تسئَ فهمي:
أنا لا أزعمُ إنّك سوفَ تدخلُ الجنّةَ
لمُجرّدِ أنّك اصطدتَ سمكةً أو حوتاً أو وحيدَ القرنِ
بل أقولُ: حينَ يحالفُكَ الحظُّ،
يمكنُ أن تكونَ رئيسَ جوقةِ شرفٍ، مثلاً،
وتتملَّكُ قصوراً ومماليك وجواري وأتباعاً
لديَّ الكثيرُ من الأمثلةِ،
لكنّني أترفّعُ عن ذكرِ الأسماءِ
لأنَّ ذلكَ يدخلُ في عدادِ النميمةِ
وانا هنا لأحتفي بالبراءةِ وقلوبِ السمكِ،
لا لأقدّمَ جرداً بأسماءِ اللصوصِ وتجّارِ الحروبِ…

هناكَ صيّادون بارعون حقاً في رمي الشباكِ
بعضُهم يصيدُ سمكاً
وآخرون لؤلؤاً
وآخرون حروباً سمينةً
وآخرون حكوماتٍ فارهةً
وآخرون نساءً أو رجالاً
وآخرون خيباتٍ وخساراتٍ متواليةً…

يتنوّعُ الصيدُ بتنوّعِ الطعمِ والنوايا
النوايا والحظُّ هي شباكُ الصيدِ العجيبةُ
بعضُ الصيّادين يحالفُهم الحظُّ والنوايا
وبعضُهم يصيدُ وغيرُهُ يتلذّذُ بالمغانمِ
وبعضُهم يعيشُ متأرجحاً بين المتنِ والهامشِ…

ليستِ العبرةُ أن تحملَ سلّةً،
بل أن تضعَ في السلّةِ سمكاً

لا تتباهَ بكثرةِ سلالِكَ،
فما أكثرَ السلالِ الفارغةِ
وما اكثرَ السلالِ المليئةِ بالمرارةِ والندمِ
املأها بمواسمَ رخيّةٍ وأعيادٍ طازجةٍ
اجعلْ سلالَكَ مراكبَ سحريةً
ملآى بالأحلامِ وثمارِ النجومِ،
بأعيادٍ طيّبةِ الطعمِ والرائحةِ
بيقينِ أنصعَ من بزوغِ النهارِ
بتحايا خارجةٍ للتوِّ من ينابيعِ القلبِ
بذكرياتٍ تشعُّ بهجةً وجمالاً
بأعيادٍ غيرِ قابلةٍ للنفاذِ …

الأعيادُ التي يجفُّ ريقُها سريعاً
لا يعوّلُ عليها

مرّت الأعيادُ السابقة الى سلّةِ المهملاتِ
دونَ أن يلتفتَ اليها أحدٌ
كنّا مشغولين بتوديعِ أحبائِنا الى عالمِ الغيبِ
كنّا في مأتمٍ دائمٍ وسرادقِ حزنٍ منصوبٍ الى الأبدِ
لم نندمْ عليها، فقد كانتْ أعياداً فاسدةً
الأعيادُ تفسدُ وتتفسخُ بسرعةٍ فائقةٍ
ما لمْ تحفظْها على الدوامِ قريبةً من نبضِ قلبِكَ
أيُّ عيدٍ تصيدُهُ دونَ نيةٍ نقيّةٍ، لا لذّةَ فيهِ
أيُّ عيدٍ لا يسعدُ غيرَك هو عاهةٌ
العيدُ أن يسبحَ قلبُكَ ويلعبُ جذلاً
مثلَ سمكةٍ بريئةٍ…

فلتملأ سلالنَا بالمحبةِ، أيُّها البحرُ
وقلوبَنا بثمراتِ النجومِ
ولا تجعلْنا غرباءَ في مواسمِ الفرحِ!

15/7/2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى