من أين نبتدىء الحكاية.. مقطع سردي

أليسار عمران

(في لحظةِ الوهم الجميل صفعتِني
وتركِتني أبكي على أوهامي
لوعدتِ لي لوجدتِني شيخَ الهوى
ورأيتِ نفسكِ في دمي وعظامي)
[علي أسعد اسعد]
استشاط وجهه غضباً ،سحبهامن يدها، إلى غرفةٍ بعيدةٍ عن المدخلِ ،خافت هيا،وبدأت ترتعشُ، كأنّ حبلَ مشنقتها ينتظرها في الداخل ،التفتت لصوفيّ وقالت: وهي تنقبضُ مرتجفةً تعالي معي لا تتركيني أرجوك،دخلوا الغرفة البعيدة، بأقصى زاويةٍ من المنزلِ،حيث يوجد فيها سريرانِ، وخزانة وطاولة، عليها جهاز لابتوب،انبعثَ الحزنُ من أغطية الأسرّةِ ،بدا وجهُ السّتائر حزيناً حتى سّقفُ الغرفةِ ، وحيطانها مصدّعةٌ بالأسى، رائحة الحزنُ تتصبّبُ منها ،بعد أن باغتتها الخيبات المتكرّرة،
جلست هيا وصوفي على أحد الأسرّةِ ،بينما توجهَ عماد مسرعاً نحو الخزانة المقابلةِ للسّريرين ،انحنى وفتح درجها الأسفل ،أحضرَ(فلاشة) ، عليها كل الّتسجيلات الصّوتية والمحادثات ،ومقاطع الفديو، بين حازم وهيا قام بوضعها في جهاز اللابتوب الموضوعُ على الطّاولة
(اعبد الله كأنك تراه،فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
بدأت هيا تصغي إلى كلماتها، والدّموع تنهمر من عينيها، تعاتبُ بصوتَها بقسوةٍ،إنٍه يجلدها، تشمئزّ من نفسها، لاتعي شيئاً،تصابُ بالصّداع،أغلقت صوفي أذنيها ، وأغمضتْ عينيها، لاتريدُ أن تسمعَ أوترى أيّ شيء،هي الآن موجودةٌ هنا رغماً عنها بمشيئة الله

عماد: لقد حفظت رقم جوّاله عن ظهر قلبٍ!
بربّك اسأليها مارقم هاتفي! رقم هواتف أولادنا ،لقد حفرت أرقامه في ذاكرة قلبها وبلّلته بدمي،هي امرأةٌ بدون ذاكرةِ وتحوّلت إلى ذاكرةٍ له وحده،
[وهل يحفظُ الانسانُ غيركوده السرّي !؟
ذلك الكودُ الذ يرسلهُ الله بإشاراتٍ ربّانيةٍ لينقلنا برحمته من الظلامِ إلى النور]
عماد:منذُ شهرين، أشعرُ أنّني لا أفهمها ،تذهبُ إلى شاطىء البحر، وسعادتها غريبةٌ، وأنا كالمغفّل ،أفتّشُ عن فواكه لذيذة تقوّي مناعتها،كنتُ أمنحها القوة، لتنبشَ قلبي وتعتصرهُ بأظافرها
جلسَ على السّريرِ، كبطلٍ قادَ ثورته بجوارح الفقراءِ ،وحين تحققّت أمنياتهم بالنّصر ، أضرموا الّنيران في جوارحه ،أمسكَ رأسه المنحني بين يديه، ثم رفعهُ،أمسكَ ذقن هيا بيده ورفع رأسها بمحاذاة عينيه
عيناهُ في عيينها ، يتحرر لسانهُ بسؤال
أخبريني.. بماذا أسأتُ إليك يا هيا !؟
لقد فرشتُ لك قلبي شراعاً ،تعبرين به بحار العالم
سكبتُ لكِ عاطفتي، وكياني بكأس عينيكِ، حتى امتلأ وفاضَ
قطفتكِ من جنتكِ، نعم، لكني حوّطتكِ بقلبي
كنتُ أرعاكِ كطفلةٍ ،كنتُ أخاف عليك منكِ ومني
هل أسمِعُ صوفي ظلال عُريك المقزّز!؟
هل أرسلُ تلك المقاطع الغبيّة لأهلك!؟
ساقطة،عاهرة،خائنة،أنت تستّحقّين الموت
تقولين له : حبيبي!؟
وأنا من!؟
أنا ابن الزّانية مثلاً!؟
كيف سأتقبّلكِ بعد اليومِ!!
،وكيف سأستسيغُ لحن صوتك
كنتِ تقولين لي حبيبي وتردّدينها،إني أغارُ من لحنها في صوتك، حين تخاطبينهُ فيها بمنتهى الصّدق والشّعور
ثم يتقطّر قلبه ،يتفجّر بركانٌ من أوداجه ويعلنُ دخانه الأسود في تنهيداته [أن يخونَ الرّجلُ أنثاه فلقد تركها دون وطنِ ،ودون بوصلةٍ، أما أن تخون أنثى رجلها فإنٍها قد فرّغته من محتواه]
ولا تلوموا رجلاً فرّغته امرأة من محتواه!

جثت هيا على ركبتيها ،خاشعةً ذليلةً
(إنٍنا لا نولد إلا بالدّمع،وبعضُ الفرحِ جنونٌ مريضٌ)
: والله العظيم غلطانة ، لأوّل مرة بعمرها كله، تقف مهانةً ذليلةً
لأول مرة لا تقوى على رفعِ رأسها
عماد: ارفعي رأسك ياهيا
امسحي دموعك ، وترقرقت على خدّه دمعتان
في عزّ جرحكِ لي ،في عز غدرك بي، والله لاتهون علي دموعكِ ،مازالت دموعك غالية، وستبقى غالية ،ارتمت في حضنه وبدأت تقبّلُ يديهِ، وتنهمرُ كشتاءٍ حزينٍ، فوقَ صدره،يتباعدانِ للحظةٍ ويصرخ: ياالله!! كيف سأصدّقها بعد هذا اليومِ يا الله!؟
نهض وفتح الخزانة مُجدّدا ،أحضر كتاب المصحف الشّريف، قبّله ووضعه على رأسه، ثم تقدّم نحوها انحنى وقال: ضعي قلبك قبل يديك على الكتاب المقدّس، وأقسمي أنك لن تكذبي عليّ بعد اليوم
مشهدٌ عنيفٌ تختلجُ به كلّ المشاعر الانسانية
ترى هل يهانُ الانسانُ لأنّه يشعرُ!؟
أم أنّ الخيانة الحقيقيّة هي نخفي ما نضمرهُ من شعور!!
إنّ الرّجال لايقفون مذلولين مهانين أمام زوجاتهم في لحظات الخيانة ،لابل ينتصبون كالدّيكةِ، ويشمخون، ويهينون دمعها أكثر
يتلذّذونَ بألمها ،حتى تلفظهم عاشقاتهم، فيرجعون كالقطط إلى مايسمّونها زريبة الزّواج[أبعد مسافةٍ بيني وبينكَ أنّكَ لدي؟ وأقربُ مسافةٍ بيني وبينكَ شوقي إليك]
رغرغت الدّموع في عينيه،التفتَ إلى صوفي وتحشرجَ بالدموع:
في عزّ جرحها لي
في عزّطعنها لقلبي وكرامتي
وكرمي وكبريائي
يعزّ علي أن أرى دمعها ينهمرُ ك أمام ناظريّ
أخبريني ياهيا بماذا أخطأت !؟
التفتت صوفي لهيا وقالت لها: تحدّثي ياهيا قولي له بماذا أخطأ
قولي كلّ مافي قلبكِ دون أيّ وجلٍ أو خجل
لن يحدث أصعب ممّا حدث اليوم
[حين نقولُ مايؤلمنا نتخلّص منه إلى الأبد ]

هيا:أنتَ ياعماد منذُ أن قابلتً شيخك تبدّلت،بتّ تلبسُ فيزوناً قطنيّاً تحت بنطالك في الصّيف والشتاء
منعتني من سماع الموسيقا وتقول لي حرام،
منعتني من الرّقض، من سماع الأغاني ،كلها حرام، بحرام، بحرام، حتى أصبحتُ أتحوّل ، شيئا فشيئاً،إلى حرامٍ حتّى عليك
كنت تشغل صوت القرآن أربعة وعشرون ساعة، والنّاس في الشّارع تقدم لي واجب العزاء، وتسألني عن المتوفّي، وماقرابته بنا
وعن سببُ وفاتهِ،ليتني كنتُ أخبرتهم أنني أنا الموؤودة وبأيّ ذنبٍ أدفنُ حيّة ،وأتحوّلُ إلى جثّةٍ تحملُ نعشها لتشيّعه الحياة إلى مثواك المخيف،تقيمُ صلاتكَ بقتلِ حياتي
تحملُ بندقيّتك وتتربّص للقطّ الأسود الذي يخلق فجأة على الدرجِ وتتوعّد بقتله لتقتل الشيطان
تراقُبني ، تشكّ بي ،توهمني بأنّ الشياطين تجوبُ منزلنا، تدهن الحيطان بدم القرابين المذبوحة ،تشعلُ البخّور، تترقّبُ المصيبة قبل أن تحلّ بنا

يفتحُ عمادٌ عينيه على اتّساعهما ،لقد عرّته وخلعتْ عمقهُ ومرّغته بالحقيقة
صمتٌ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى