بالتواضع تعمر القلوب
أحمد لفته علي _ بغداد
عرف عن الأنبياء وائمة العلم والدين والعظماء والعباقرة في طول مسيرة التاريخ والإنسانية اتصافهم بالبساطة والتواضع وعدم التعالي وبصورة عفوية نابعة من سمو نفوسهم وشخصياتهم الفذة في تعاملهم مع الآخرين وإدراكهم أن صفة الكبر والغرور والتعجرف صفات شيطانية قبل أن تكون انسانية والدليل على ذلك حينما حاجج الشيطان رب العزة وميز نفسه على الإنسان أثناء المفاضلة بقوله: خلقتني من نار وخلقته من طين أي خلق الإنسان من صلصال من فخار.
والنتيجة التي انتهى اليها إبليس أن النار أطهر من الطين ولهذا فإن أبليس أفضل من آدم حسب رأي إبليس؛ وهكذا أخرج ابليس من جنة الخلد وهو مذموم، ولأن الإنسان يجمع في نفسه الأضداد وحسب قول القرآن الكريم: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) وهذه الأضداد التي يحملها الإنسان هي (الفجور والتقوى) وهكذا يرتفع الإنسان ويسمو على الملائكة لأن الأخيرة محض عقل والعقل لايخطئ ولكن الإنسان ولأنه يحمل الفجور والتقوى قد يصيب وقد يخطئ وهذا متروك لعقله وارادته لان رب العزة قال: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
إن الخطأ والصواب في ميدان فعل الإنسان هو الإرادة.. ولقد قال الإمام الصادق (ع) ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه.
ولنرجع الى السيد المسيح (ع) كيف يدعو اتباعه وتلامذته ومحبيه إلى التواضع وعدم الغرور والتعالي على الاخرين في قوله المشهور: (يا معشر الحواريين، لي لديكم حاجة، قيل: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل ترجلهم. قيل: هذا لا يليق بك يا روح الله قال: إنما فعلت هذا فيكم لتتواضعوا في الناس كتواضعي فيكم لأنه بالتواضع تعمر القلوب لا بالتكبر وفي السهل ينبت الزرع لا في قمة الجبل).
ولأن عيسى (ع) نبي والأنبياء جاءوا للهداية وتقويم السلوك الإنساني المعوج ووضع الإنسان على الطريق الالهي ليسير الى التكامل في مجال العلاقات العائلية وعلاقة الانسان بالمجتمع من جميع الوجوه.. وهكذا كان النبي عيسى (ع) قدوة للبشرية.. وهكذا المفروض أن يمارس الإنسان البساطة في معاملاته وهذا هوفن التعمق في أغوار النفس البشرية وهو ما يصطلح عليه بالسهل الممتنع؛ وذلك لأن السنابل الممتلئة تكون محنية الرؤوس بينما الفارغة تشمخ برأسها الى العليا، ولقد خاطب الله تعالى رسول الرحمة نبينا محمد (ص) (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وقال رب العزة مخاطباً الانسان (ولا تمش في الارض مرحاً) وقال عز من قائل (انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولاً) وعندما تتعمق ثقافة الانسان وتزداد تجاربه وخبرته في الحياة يزداد تواضعاً، ويرتفع سموا فى كلامه وسلوكه ولهذا نرى الانسان المثقف جميل.
الكلام وحلو المعشر ويكثر جلاسه ويكثر اصدقاؤه ويحيطه المحبون والمريدون من كل جانب. وهكذا نجد أيضا الطبل الفارغ يخرج دويا قويا كما هو حال الإنسان الفارغ يملأ الأرض صراخا وضجيجاً ومثل هذا الفرد يحاول الطيران بدون أجنحة ويريد الصعود بدون مؤهلات. وهنا ترتفع صوت الحكمة:
(لاتحسب المجد تمرا أنت آكله…… لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا) إن الوصف الدقيق لدواخل النفس المتكبرة والمتجبرة التى تخامره
الاحساس بالذلة وتلجئه إلى المهانة هي صفة النفس الكذابة كما جاء في قول الرسول (ص) (لايكذب المرء إلا من مهانة نفسه) والانسان الكاذب والخائن يلجأ الى الغلو والتعظيمم وتضخيم الأشياء.
لقد كان صدام وممن حوله يلجأون إلى الكذب والتعالي ويظهر ذلك جلياً للعيان حين يظهر من على شاشة التلفاز وهو ينفث في سيكارته الكوبية التي كانت تكلفتها باهظة ويطلق ضحكته المشهورة، ويتبختر في مشيته حتى أدى به هذا التكبر والتعالي إلى حفرة عميقة في باطن الأرض وأخرج منها خوفاً ورعباً من الشعب الذي أذله وأذاقه الويل، ودفن البشر في المقابر الجماعية، وأمطر شعب كوردستان في حلبجة بالأسلحة الفتاكة.. ودمر القرى وهجر سكان الأهوار وجفف مياههم.. هكذا سقط عرشه الفرعوني المتهاوي.. وهكذا هو دائما مصير الطغاة والمتجبرين على طول مسيرة التاريخ.
هكذا كان غرور فرعون وهتلر وموسوليني يقفون في طابور طغاة والدكتاتوريات عبرة لمن أعتبر، وقد لعنهم التاريخ؛ لأن هؤلاء الطغاة لم يحترموا شعوبهم، وأجاعوهم وتكبروا على بنى جلدتهم.
وهكذا نجد البساطة فنا رائعاً والتواضع نهجاً سلوكياً عظيماً انتهجه الأنبياء والعباقرة والعظماء. وكما جاء في الحديث (إن الله يحب السهل الطلق الوجه).