“ النرفانا “ومعنى الحياة
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
ولد في الأبهة والفخامة حيث كان أبوه حاكماً لإحدى المدن بشمال الهند على حدود مملكة نيبال، تزوج في السادسة عشرة من عمره من إحدى قريباته في مثل سنه، ورغم رغد عيشه في طفولته إلا أنه كان في غاية التعاسة، فقد لاحظ أن أكثر الناس فقراء، وأن الناس جميعاً ضحايا المرض والموت. فكر “بوذا” كثيراً، واهتدى إلى ضرورة وجود شيء في هذه الحياة العابرة يكون أبقى وأنقى من مجرد الحياة العادية.
وعندما بلغ العشرين من عمره، وبعد ميلاد ابنه قرر أن يهجر هذه الحياة وأن يتفرغ تماماً للتأمل في هذه الدنيا وأن يبحث عن الحقيقة؛ فترك كل شيء وتحول إلى متسول مفلس، ودرس على أيدي عدد من رجال الدين، وبعد أن أمضى بعض الوقت اكتشف أن الحلول التي يتقدمون بها لحل مشاكل هذه الدنيا ليست كافية، وكان من المعتقد في ذلك الوقت أن الحل الوحيد لمتاعب الدنيا هو الزهد في كل شيء، وأمضى سنوات طويلة لا يأكل إلا القليل ولا يشرب إلا ما يحفظ حياته. ولكنه عاد فاكتشف أن تعذيب الجسد يملأ عقله ضباباً ويحجب عن النفس رؤية الحقيقة فعدل عن الزهد إلى حياته العادية يأكل ويشرب ويجلس إلى الناس.
وفي يوم من الأيام أيقن تماماً أنه عرف الحقيقة وأنه أصبح “بوذياً” أي إنساناً مستنيراً يدرك أن الحياة في أعماقها تعيسة، وسبب هذه التعاسة هي أنانية الإنسان ورغباته، وتلك الأنانية والرغبات الشخصية يمكن القضاء عليها عندما يصل الإنسان إلى حالة “النرفانا” وفيها يشحن الإنسان طاقات الروح فيستشعر السعادة بتأمله العميق، فتغيب المشاعر السلبية من اكتئاب وحزن وقلق.
إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا عرف أن لحياته معنى. وبعض الناس لا تسكن نفوسهم حتى يصلوا إلى سبيل واضح يسلكونه في هذه الحياة، وقد كان “بوذا” واحداً من هؤلاء الذين بحثوا ونقبوا حتى فهموا معنى واضحاً للحياة، ففر من أنانيته ورغباته الذاتية في تأمل عميق ليصفو ذهنه فكراً وإدراكاً، وتصدق فِعاله قولاً وعملاً، فيُسجَّل في التاريخ واحداً ممن غيروا معالمه وحفروا دروبه وخطوا وجهه بدقة ووضوح.
وأظن أن هناك فرقاً بين فهم الإنسان لمعنى حياته، وفهم الإنسان لمعنى الحياة، ففهم الإنسان لمعنى حياته يعني إدراكه للحقائق المحيطة به من خلال ما يُلصقه هو بهذه الحقائق وليست بما هي عليه، وبالتالي فهو فهم ناقص غير منته، أما فهم الإنسان لمعنى الحياة بزواياها المختلفة التي تشكل مجموع الرؤى الشخصية للناس؛ فهو فهم أرقى ورؤية أوسع وأكثر عمقاً وشمولاً.