صمت لزج
ياسمين كنعان | فلسطين
وكان علي أن أصدق أن ما كان بيننا كان حقيقة، أو أقرب ما يكون إليها؛ لا لشيء إلا لأغفر لي ما ارتكتب بحق نفسي من عذابآت انتظارك، وما اقترفت بحق قلبي من حماقات لا تعد ولا تحصى.
كان علي أن أصدق كي أستمر، وإن تسألني بأي شيء أستمر؟! أقول لك كي أستمر في تصديقك؛ ألم تقل لي يوما “سنكون أنا وأنت الحكاية التي لا تنتهي..!” ولا أدري لم كان علي تصديق هذا الجملة التي تبدو كأنها مقتبسة من رواية ما، لم علي أن أخالف معتقداتي أنا التي كنت أكررها مرارا بأن الحب المقتبس ليس بحب، وكل حب يولد من رواية أو يقتبس منها لا يعول عليه ..فكيف صدقتك، ومشيت مغمضة العينين وراء وهمك ؟!
كيف لجملة أن تكون بداية حكاية، وكيف ارتكبت حماقة الحب.. حبك؟!
صدقتك لأنني أردت أن أصدق، وقلت في نفسي ولها وأنا أطمئنها ” الحب الذي ولد في ليلة ماطرة طاهر وصادق، جاء محمولا على غيمة، وحين سقط في قلبي كان قد تعمد بأصابع الريح التي أوصلته نقيا إلى قلبي ..فكيف لا أصدق ؟!
وصدقت وعد المطر وفتحت قلبي لانهمار قطرات حب بكر في حواشيه. ونمت ليلتها وأن أرهف السمع لأصابعك التي كانت ترتب إيقاعات قلبي وتبعثرها،وكان صوتك يحكي على مسمع الليل قصة البداية!
وكانت البداية، وكان انبهاري بها كما يكون الانبهار بكل بداية!
أغمضت عيني ليلتها وأنا أطوي الحكاية تحت رأسي، و أتشبث بوعودك، وأعزف كلماتك على أطراف أصابعي. و أغمضت عيني على صورتك، ونمت؛ ورأيت في منامي ما اختزله عقلي وما خبأته مخيلتي، وما خزنه سمعي وبصري!
وكانت الليلة الأولى التي تختفي فيها الكوابيس، و يصمت فيها عواء الوحدة، وتكف فيها مخالب الضجر عن نهش قلبي. نمت كلحن أخير على وتر..اهتز الوتر اهتزازات متتالية قبل أن يرتخي ويعود لما كان عليه من سكون وترقب وانتظار..!
وأنتظرتك كثيرا… وكان الليل موعدنا المرتقب، أتحينه كي أختلي بك، وكنا نسرق أنفسنا من واقع ثقيل، نهرب أحلامنا الصغرى في لفلفة وقت مختلس.
وكنا نختلس السعادة ونفرح لسرقاتنا، ونضحك على سذاجتنا!
كان الليل لنا ولم نحلم بأكثر من ليل، و اكتفينا بساعات تمضي سريعا مثل برق!
ثم ماذا …لن أقول ماذا، فما زال غيابك غصة في حلقي وليلي. أسألك السؤال للمرة الألف، هل كنت هنا حقا وهل كنا، وهل كان علي أن أصدقك، وكيف انتهت الحكاية التي لا تنتهي، ومن مزق الصفحة الأخيرة، وما مصير الليلة الثانية بعد الألف..؟!
وغبت وتركتني للحزن..
والحزن لا يباغتني إلا ليلا،
يصيبني بالهشاشة،
وحالة أقرب ما تكون إلى الشلل،
يتقوس ظهري،
ترتخي أطرافي،
يحدودب ظهري أكثر،
يرتطم رأسي بركبتي،
لا سلطة لي على جسدي،
أتكوم على نفسي،
أتكور في رحم المعاناة،
أسبح في اللاشيء،
أعوم في هذا السائل اللزج،
يدخل الماء إلى رئتي،
أختنق به،
تتملكني محاولة يائسة للصراخ،
أصرخ بلا صوت،
لا أحد يسمع،
أشرب الصمت اللزج،
أفتح عيني في ماء متعفن،
تنمو الطحالب فيهما،
أرى لا شيء..
لا أرى،
وحين أفتح فمي لأصرخ للمرة الأخيرة ..
يشربني عدم لزج..!