أدبترجمة

مسرحية: الابنة الأخرى أو (المانيكان)

خوان كارلوس كابييو – ترجمة: د. خالد سالم

حازت هذه المسرحية الجائزة الثالثة في الدورة الثالثة لمسابقة نصوص ميكروتياترو، لعام 2020، التي تقيمها الجمعية الثقافية Trotea، وهي جمعية غير ربحية تهتم بالترويج للأنشطة الثقافية منذ عام 2003، وتنشر النصوص التي حازت جائزتها في كل دورة.

المؤلف:

ولد المؤلف خوان كارلوس كابييو في روساريو، محافظة سانتا فيه، الأرجنتين، وله مسيرة فنية طويلة. عمل في التمثيل في السينما والتلفزيون في العديد من الأعمال القصيرة، وقام بدور البطولة في مسلسلات تلفزيونية. وفي مضمار المسرح شارك في العديد من الحلقات الدراسية والندوات كممثل ومخرج وكاتب مسرح وأستاذ مسرح. من أعماله الكوميديا المرتجلة(ملحوظات تاريخية وفنية) والكوميديا المرتجلة: شكل من المسرح الشعبي، نساء في الانتظار (كوميديا درامية، ثلاثة ألعاب درامية-تأملية للمراهقين (النجمة الخيالية، الحرية، الحرية، الحرية… وأخوات سندريلا)، إلخ. كما أعد كوميديا الأخطاء (لشكسبير)وكاليغولا (لألبير كامي)، إلخ.

الشخوص

الأم: تبحث بعينيها في الذاكرة المراوغة، أو تراوغ عبر الذاكرة بعينيها اللتين لا تبصران.

الابنة: رغبة زلقة وحياة معلقة، ليس أكثر من هذا.

الابنة الأخرى: رؤية محجبة، صوت، قصيدة أو مانيكان مستخدم وغامض.

فضاءان مسرحيان متباينان.

واحد للابنة، في غرفتها.

فضاء آخر للأم، ربما توجد آلة خياطة أو عناصر حياكة أخرى، وزجاجات فيها حبوب مختلفةالألوان والمانيكان.

فضاءان مستقلان تمامًا يسمحان بأداء هاتين السيدتين وواضح فيها أثرهما، روائحهما، تباعدهما. يفصلهما خط مزرق وخفيف كل في عالمها اللاواعي الذي لا يتشاركانه.

الابنة

ترتدي رداءً منزليًا أو ملابس داخلية، ويوجد فستان معلق، ربما على المانيكان. تجهز نفسها للقاء. تتكلم مع الأم التي لا ترى لأنها في الغرفة الأخرى.

-لا يا أمي، إنه السبت.

السبت، لهذا لم أعمل في المساء.

– نعم، لا تهتمي بالأمر. إنني أسخن ماء.

– طعامك يا أمي. أعددت لك مرقًا.

– عليك أن تتناولينها في العشاء. قبل النوم.

– مع أليثيا.

– صديقتي.

-لا، الشقراء التي لها ابن.

– ليس لها زوج. الأم ترعاه.

– لا تريد أن تتحدث عنه قط، تقول إنها أخذت كل ما كانت تحتاج من الرجال.

– يا أمي… منذ حوالي ست سنوات لا أرى إرنستو.

– نعم… الوقت يجري… أخبروني أنه تزوج من واحدة من قرية وذهب ليعيش معها.

– لا أدري، ولا يعنيني الأمر.

– كان اسمه إرنستو يا أمي! باه، اسمه… لا، لا أراه.

– لا، لن أتركك وحدك، ستأتي بيرتا.

– تشاهدان التلفزيون، تتبادلان الحديث، تعد لك الشاي قبل النوم. لا، لا تبعدي القدر عن النار، سأذهب أنا حالًا.

– لا، لا تضعي شيئًا، سأقوم أنا بهذا.

– مع أليثيا.

-لا، الشقراء التي لها ابن.

– السبت.

– للرقص.

– لا، مع أليثيا. كان اسمه إرنستو.

– نعم، هناك ولد، باه، رجل.

– نعم، نرقص ونتكلم كثيرًا.

– توقفي، شعر أسود. تبتسم بلطف. تستخدم عطرًا رائعًا.

– منفصل.

 – آه يا أمي، لم يعد هناك عُزْب يناسبون عمري.

– 47.

– لا، 47 عندما توفي والدي، كان عمري 32.

– نعم، الوقت بمر بسرعة. لا تبكي. كان أبي في حال سيئة، وكان هذا هو الأفضل.

– أنت وحدك، وأنا معك بقدر ما أستطيع.

– وكذلك يجب أن أعمل.

– يا أمي… سبت كل شهر، وليس كل أيام السبت.

– مع بيرتا، لا. أنت لا تبقين وحيدة.  لا يمكنك.

– لأنك عجوز.

– لم أقل عجوزًا أيتها الساذجة، بل كبيرة. كما أنك لا تمشين بشكل جيد.

– لم يعطك شيئًا للساقين.

– هذه الحبوب للنوم.

– وللذاكرة.

– للكوليسترول، لم يعطك شيئًا للساقين.

                   (ترتدي الفستان)

-أنا سأذهب حالاً وأعده لك في لحظة.

-إنه السبت. هيا للرقص.

– مع أليثيا، الشقراء.

– ولـ… رجل. نعم، عنده سيارة

– هو تاجر.

– لم أسأله عما يبيع.

– يا أمي، لا يمكن أن أسأله إذا كان عنده الكثير من المال.

– سيارة، نعم.

– توقف، يرقص بشكل جيد. يستخدم عطرًا رائعًا. يجب أن يكون غاليًا.

– يا أمي، ربما عنده أموال.

– أي شخص عنده سيارة اليوم.

– لقد ذهبتِ … الإثنين… أعطاك حبوبًا.

– هذه للذاكرة…

– للكوليسترول.

– لم يعطك.

– لن نذهب مرةً أخرى…. ذهبنا الإثنين.

                   (ينكسر قفل سوستة الفستان.)

– يا للقرف! أي حظ هذا!… الإثنين الماضي.

– السبت. إلى الرقص.

– مع أليثيا، نعم الشقراء.

– لا مع إرنستو.

          (يرن الهاتف.)

-مرحبًا. نعم، كنت أستعد. (تعلوها خيبة أمل). لا، لا بأس، لا تقلقي. ليس عليك الاعتذار… أؤكد لك هذا،لا… ليس في هذا مشكلة. فلا شيء مهمًا بين الأصدقاء… في أي مكان لتناول مشروب، لا شيء مهمًا…. بالإضافة إلى ذلك فقد انكسر قفل سوستة الفستان… (تضحك بلا رغبة). لا، فمن المؤكد أنني سمينة. لم تكن جديدة، لهذا انكسرت. سأصلحها غدًا. لا تقلقي، فإنني سأرى ماذا أفعل، فلن يضيع مني شيئًا مهمًا. أتمنى أن تتحسني. سنتكلم خلال الأسبوع. شكرًا، سأبلغها.

– لا يا أمي، لم يكن فرناندو. بيرتا، تسلم عليك.

                   (لقد ظلت متجمدة، بينما كانت قد ارتدت معظم ملابسها. تتصل بالهاتف.)

-أليثيا، لا يمكنني الذهاب معك… نعم، بالطبع، مستحيل في هذا الوقت. سأتحسن… اذهبي أنت، فمن المؤكد أنه ينتظرك. طبيعي، فهو مهوس بك. لا، لا، لا تقولي له شيئًا. حسنًا، نعم. إذا التقيت به فقولي له إن … (إلى الأم). إنه السبت يا أمي! (تعود إلى المكالمة.) قولي له… (تتوجه بالكلام إلى أمها مجددًا.) لقد ذهبنا يوم الإثنين!… (تعود إلى المكالمة مع أليثيا.) لا عليك… يومًا ما….

أتمنى لك وقتًا ممتعًا. (تقطع المكالمة) (إلى الأم.) أليثيا!

-لا، الشقراء.

-لقد ذهبنا يوم الإثنين.

– من الأسبوع الحالي.

-نعم… أعطى لك.

– هذه للذاكرة….

– …. هذه للكوليسترول.

– نعم، إننا أعده لك.

– لا، يا أمي لن أتركك وحدك. سأكون معك دائمًا.

– نشاهد التلفزيون… إنني أصلح قفل السوستة الذي كُسر.

– …. قفل الفستان الأزرق.

– السبت، يا أمي… السبت…

الابنة الأخرى

– الابنة الأخرى: لقد أصبحتِ وحيدة دون أن تدركي ذلك.

– الابنة: نعم أدركت هذا، لكن اخفاء الحقائق أسهل من قبولها…

الابنة الأخرى: هل أحببته؟

الابنة: تقصدين فرناندو؟ أعتقد ذلك، لكن الحقد…

الابنة الأخرى: كنت تعرفين، ربما كنت ستتزوجينه؟

الابنة: نعم، لم يكن سيئًا…

الابنة الأخرى: هل تفتقدينه؟

الابنة: أفتقد رجلاً، الشعور بأنني في يدي رجل، عطرًا، بعض الكلمات… أفتقده…؟ لا أعرف.

الابنة الأخرى: وأنا؟ هل تفتقدينني؟

الابنة: كان العالم بحجمي سنتئذ، وأنت كنت صغيرةً للغاية… صامتة، معزولة تمامًا ودائمًا مع كتبك وكراريسك… لم يكن لدي وقت…

الأم

(تخيط الثوب ببطء وحب، بينما تتحدث إلى ابنتها التي لا تراها لأنها في غرفة أخرى.

 هناك علبة خياطة، أقمشة، مانيكان…)

– (إلى الابنة.) لا بد لي من شراء خيط أصفر … أحتاج إلى بكرة من الخيط … أصفر … اذهبي إلى العِقادة واحضري لي واحدة جيدة وليست رخيصة … هل اليوم الجمعة؟ لا، اليوم السبت، يجب أن يكون محل تشيتشيتا مفتوحًا …

-لا عليك، لا تهتمي بهذا الأمر، فأنا أرى كيف أتدبر أمري.

– انعدام الإرادة، هذا هو كل ما يحدث. الاستغلال يعود إلى أنني لا أستطيع المشي بشكل جيد… آه لو كنت فعلت أنا هذا لأمي! لكانت الصفعة قد وقعت عليّ، ولمُت من الخجل واحمر وجهي، كنت سأفعل المطلوب مني.

(إلى الابنة.) – أنا جوعانة… هل أجهز شيئًا للطهي؟

– لِمَ تسخين الماء؟

– مرق، مرق… يظنون أنني مريضة. كما لو كنت أقيم في المستشفى. لحسن الحظ أنك لا تتركونني وحدي (ترتب الثوب الذي كانت تحيكه للمانيكان. إنه فستان حفلة.) لا تزالين صغيرة… وستظلين هكذا دائمًا.

(إلى الابنة.) – كما لو كنت أحتاج إليها… إنني أنام جيدًا. (إلى المانيكان.) هل تعرفين كم مرةً تشتكين من شخيري؟ لا، أنت لا، أبدًا، ولا أسمعك تتنفسين…

(إلى الابنة.) – إلى أين ستذهبين؟

– مع من؟

– أي واحدة… الصغيرة؟

– نعم، أليثيا التي لها ابن… هل الزوج يتكرها تخرج وحدها؟

– ماذا حدث للزوج؟ … إنه جميلة… فلتحصل على آخر…

– هل ستخرجين مع إرنستو؟

– كل هؤلاء؟ … كيف مر الوقت… وهل تزوج؟

– لم تتيقني؟

(إلى المانيكان.) – إنها فظة مثل أبيها. أنت لا، أنت تشبهين أسرتي، لطيفة وصامتة مثل أمي…

(إلى الابنة.) -هل ستخرجين مع هذا وتتركينني وحدي؟

-نعم، بالطبع، يا بيرتا… لا أدري ماذا سأفعل بهذه العجوز، أخبريني.

– أنا جوعانة.

– هل أضيف بعض البطاطس؟

-مع من ستخرجين؟

– مع الصغيرة…

(لنفسها.) أحتاج المزيد من الخيط… (إلى الابنة.) في أي يوم نحن؟

– آه… إلى أين ستذهبين؟

نعم، نعم، أنت أخبرتني. (لنفسها.) عجيب أمر الذاكرة، إنني أتسلى وأنسى… (إلى المانيكان.) لا تقلقي فالفستان سيكون جاهزًا… أيتها الدمية الجميلة… كم سينظر إليك الجميع!

(إلى الابنة.) – هل ستذهبين للرقص مع هذا الولد؟ … كيف كان…؟

-إرنستو، نعم، نعم… (إلى المانيكان.) هل تتذكرين إرنستو؟ … بالطبع، كان يأتي عندما كنا…

            (تغير سريع، تتوجه إلى الابنة.) ألم تتعرفي إلى آخر؟ …

– و؟ كيف هو؟

– أعزب …

– متزوج؟ … آه يا صغيرتي، المنفصلون يأتون بمشكلاتهم على أكتافهم. (إلى المانيكان.) أنت لم تتكلمي أبدًا عن أي…، نعم، إذا كنت فتاة. الآن تريد الهدوء، هنا، بجانبي… كان عمرك 14… نعم، كان ينقصك ثلاثة أشهر للوصول إلى… (إلى الابنة.) وأنت 35، يا صغيرتي؟

– هذا غير ممكن…

– عندما أبوك… نعم، كان عمرك 35 عامًا… كيف تجري الأيام… الوقت قبر الذاكرة. مسكين أبوك… (إلى المانيكان.) أنت لم تره… كان في حالة سيئة للغاية مع….، لا، لا، لا أقول هذا، ليس ذنب أحد. لا تحزنا، فقد حدث هذا من زمن، والآن نحن هنا… إنك جميلة وشابة للغاية… بشرتك بيضاء، ناعمة… الفستان سيكون جميلاً للغاية عليك… دائمًا… (إلى الابنة.) أنت تتركينني وحدي دائمًا…

– نعم، نعم، تعملين في الصباح وتخرجين كل سبت.

– ربما تتركينني وحدي… لا أريد أن تأتي بيرتا. لا أحبها، لا تعجبني، تسأل كثيرًا، تجعلني أفكر في… اتصلي بها، وقولي لها ألا تأتي، يمكنني أن أبقى وحدي.

– لماذا؟ لست غبية…

– نعم، إنني أستطيع المشي. لدي عكازان لساقيّ أعطاني إياهما الطبيب… الأخضران…

– آه، الأخضران… والأحمران؟ 

– … والصغيران؟ …. آه.

– أنا جوعانة.

– هل أجهز شيئًا؟

   (إلى المانيكان.) – هي تعتقد أنني بلهاء… أو قد أسقط… لقد طهوت لأبيك، ولها، للأربعة طوال سنوات. نظفت، وغسلت ولم يحدث لي أي شيء… الآن تعاملني كما لو كنت عاجزة… لحسن الحظ أنك موجودة… أنت لطيفة للغاية، صامتة، بهذه النظرة … للغاية،للغاية لا، ليست حزينة، أرد أن أقول إنها فيها شيء من الحزن، نعم، خجول كنت… وكنت تكتبين هذه القصائد… التي لم أفهمها أبدًا. (تضحك بشيء من الخجل.) لم أقل لك هذا أبدًا، لكنني كنت أقرأها خلسة بينما كنت أنت في المدرسة… وكذلك هذا الكتيب الذي كنت تقرئينه دائمًا. كان يبدو لي أنك تكتبين مثلها، مثل مؤلف هذا الكتيب… (تضحك أكثر.) لم أكن أفهمهم. (تحاول التذكر.) أليخاندرا؟ … أليخاندرا؟ سأتذكر… (إلى الابنة الأخرى.) في أي يوم نحن؟ هل ستذهبين إلى العمل؟ 

– مع من؟

– هل عنده سيارة؟

– فيم يعمل؟

– نعم، لكن: ماذا يبيع؟

– يبدو أنه غني، نعم عنده سيارة.

– كيف هو؟

– نعم، نعم… يستخدم عطورًا غالية وعنده سيارة، يبدو أنه غني. (إلى المانيكان.) انتهيت… تقريبًا… بعد ذلك نجلس لتناول الغداء… عليها أن تفهم أنها لا يمكن أن تتركنا وحدنا كل سبت. أنا وأنت محبوستان لإنهاء الفستان لخمسة عشر بينما هي تذهب مع هذا… فرناندو؟ أعلم أنه الخطيب، وربما ليس من العدل ألا تساعد. إنني أقوم بكل شيء. لا، لا، لا أقول هذا من أجل…. أنت في غرفتك تقرئين كتبك وتكتبين، ومن مهامنا الاعداد للحفل… (تبحث عن هاتف محمول لديها في صندوق الخياطة. تتكلم بحذر كي لا يسمعوها.) مرحبًا بيرتا؟ … ماشي الحال، أنت تعرفين كيف هي الصغيرة… حسنًا، نعم، لا أقول العكس، فكل ما تعمله جي نعيش بشكل جيد، لكنها مرة أخرى تتركني وحدي… نعم، اليوم السبت… وأنا أيضًا لدي الحق في الاستمتاع به. لا أدري، مشاهدة التلفزيون، تبادل الحديث. لكنه السبت يا بيرتا وعليها أن تخرج معي بدلاً من صديقتها… لا، ليست شابة إلى هذا الحد. من فضلك، نعم، نعم، كالمرة السابقة. جزيل الشكر… أنت تفهمين… نعم، الأبناء… أبناؤك يثمنونك… بالنسبة لي، كل شيء تغير منذ…، نعم، شكرًا، أنت رائعة يا بيرتا. (تنهي المكالمة. تتوجه إلى المانيكان.) ماذا كنت أقول لك؟ هذا الذاكرة الخائنة… (إلى الابنة.) عليك أن تذهبي بي إلى الطبيب، فالذاكرة أخذت تضعف…

-لم يكن هذا الاثنين… وإلا لتذكرت.

(إلى المانيكان.) -إنها تعاملني كما لو كنت غبية… الشيخوخة عديمة الجدوى، فمن الأفضل الموت… لا، لا، لم أقل هذا بسبب… لن أتخلى عنك أبدًا، سنكون معًا دائمًا، مثلما نحن عليه الآن. اعذريني. أختك توترني، وتجعلني أشعر بالحيرة، تقول لي إن اليوم… الإثنين؟ (إلى الابنة.) وأخيرًا، في أي يوم نحن؟

-نعم، نعم، أعرف هذا وأنت ستذهبين… مع هذا… (يرن هاتف الابنة.) (إلى المانيكان.) لابد أن يكون هذا الذي يتصل، أو الصديقة التي لها ابن دون زواج. لحسن الحظ أنك لم تنجبي أبدًا…، نعم، قصائدك وذلك الكتيب، كتيب…، بيثارنيك[1]! أترين أنني أتذكر؟ … إنني أتذكر كل شيء. الأطباء لا يعرفون   شيئًا، إنهم يترعونني بالحبوب كي أظل مدهوشة. أتذكر كل شيء… شَعرك، يدياك …لا، لا لا، الحزينتان لا… الشاحبتان…  كفراشتين مذعورتين… أتذكر كل شيء…قبلتك على خدي قبل اغلاق الباب بالمفتاح… أتذكر التلفزيون الذي لم يتح لي الاستماع إليه الشباك الذي كان يُفتح… ولا الوداع… كفراشة مذعورة… تطير حتى… نعم، نعم، فستانك، نعم، نعم، سأنتهي منه، وعليه ستلبسينه لـ … خسارة والدك… لم يستطع، لم يكن قويًا مثلنا… كان صامتًا دائمًا. كان يغلق الباب على نفسه في الحمام ليبكي… لم أكن أسمعه. لم نقل شيئًا أبدًا. كان يظن أنه السبب… لم أكن قوية و … (إلى الابنة.) قلت إننا ذهبنا يوم الإثنين؟ إذًا في أي يوم نحن؟

– مع من كنت تتكلمين؟

– الصغيرة؟

– هل من المؤكد أنه كان هذا الإثنين؟ إذًا لقد نسي اعطائي الدواء… (تبحث.) عندي أقراص خضراء…

– والحمراء؟

– والصغيرة التي آخذها أيضًا.

– نشعر بالجوع، إنها ساعة العشاء…

– وحدي، كالعادة…

– وماذا سنفعل؟

– انكسر القفل؟ أي فستان؟ (إلى المانيكان.) لن أصلحه، فلدي الكثير من العمل في فستانك… إنني على وشك الانتهاء منه… آه وناقص الحذاء لقياس كل شيء. الحذاء… أبيض (تبحث عنه. هناك لحظة انتعاش في ذاكرتها.) الحذاء الأبيض… وصلنا وكان هناك والدك، لبست الحذاء ليراه… قال لك ” لقد أصبحت آنسة” وعانقك بقوة… أتتذكرين؟ كانت المرة الوحيدة التي… ثم حفظته ولم أره حتى… كان إلى جانب الكرسي، كل واحد بجوار الآخر، وكان يدخل برد عبر الشباك، كان الهواء باردًا للغاية، لا أدري لماذا خرجت… كان يوم جمعة… أو … ثلاثاء؟ … (إلى الابنة.) أي يوم كان عندما… أختك؟

الابنة الأخرى

الابنة: (ترتدي الفستان بينما لا يزال الهاتف في يدها.) السبت يا أمي… السبت…

الابنة الأخرى: أي رأس هذا الذي لك يا أمي.

الأم: نعم، السبت، يا له من رأس…

الابنة الأخرى: كيف عرفت أن أبي كان رجلك؟

الأم: لا أدري، لم أسأل نفسي أبدًا هذا السؤال، فالأشياء تحدث وحدها ويجب أن…

الابنة الأخرى: هل هذه هي الحياة؟

الأم: حسنًا، هناك أشياء أخرى، ماذا أدري أنا… حاليًا لا يخطر ببالي شيء آخر…

الابنة الأخرى: لا يمكن أن تكون فقط الميلاد وانتظار الموت.

الأم: آه يا صغيرتي، لا تكون مأساوية إلى هذا الحد.

الابنة الأخرى: أين كنت فلم تريني؟

الأم: هنا، كنت دائمًا هنا، مشغولة، أهتم بك، المدرسة، ملابسك، حاجياتك…

الابنة: أين كنت فلم …؟

الأم: هنا، كنت دائمًا هنا… مشغولة، أهتم بك. كنت دائمًا تذهبين إلى عملك بملابس نظيفة ومهندمة وحسنة المظهر، وفي مواعيدك…. لم تتطلبي مني شيئًا آخر أبدًا.

الابنة الأخرى: خلاصة القول إن هذا فقط كانت الحياة.

الابنة: لا أريد أن ننهي هذا السبت هكذا. أنا لا أستطيع…

الأم: هذا لا خيار لنا فيه. لم أختر أن ترحل أختك…

الابنة: لم ترحل…

الأم: أنا لم أختر أن يموت والدك حزنًا لأنها رحلت…

الابنة: يا أمي… كانت مريضة بالكآبة…

الأم: مريضة؟ كانت سليمة، سليمة للغاية. ابنتي…

الابنة: لم تكن ابنتك ولا أختي… كانت ملاكًا زارنا لوقت محدد…

الأم: ابنتي كانت. أنت لا تعرفين معنى أن يكون لك…

الابنة الأخرى: لا تؤذي يا أمي…

الابنة: حقيقي، لا يمكننا معرفة… لكنها أيضًا كانت…

الأم: ليس مثل…

الابنة الأخرى: يا أمي…

الأم: أنا جوعانة…

الابنة: لم أخبرك أبدًا… بينما كانت تنام، كنت أقرأ كراستها التي تكتب فيها قصائدها…

الأم: ارتكبت خطأً، هذا شيء خاص لـ…

الابنة الأخرى: يا أمي…

 الابنة: هي تركتها على سريري…

الابنة الأخرى: كم كان يروق لي أن…

الابنة: تركت الكتاب الذي كانت تحمله دائمًا…

الأم: أليخاندرا…

الابنة الأخرى: بيثرناك، يا أمي.

الابنة: كانت متهالكًا بسبب قراءتها الكثيرة له. كانت هناك قصيدة تحتها خط بقلم رصاص أحمر و…

الابنة الأخرى: وأسود أيضًا.

الابنة: ” الحياة تعلب في الساحة/بالإنسان الذي لم أكن قط/وأنا هنا/

الأم: يرقص الفكر/على حافة ابتسامتي/والجميع يقولون إن هذا حدث وهو/قلبي

الابنة الأخرى: افتح النافذة/الحياة/فأنا هنا/

الابنة الأخرى: دمي البارد الوحيد/يضرب العالم/لكنني أريد أن أعرف أنني على قيد الحياة/

 الأم: (كما لو كان صدى صوت أو صلاة، تصاحبها الابنة والابنة الأخرى.) لكنني لا أريد أن أتكلم/عن الموت/ولا عن أياديه الغريبة”[2]

(صمت على خشبة المسرح)

الابنة: أجهز لك الطعام، فقد حانت… (لا تتحرك.)

الأم: ألم كنت ستخرجين مع…؟

الابنة: … إرنستو تركني ليتزوج بأخرى منذ فترة طويلة، يا أمي…

الأم: تخرجين مع صديقتك الـ…

الابنة: … الشقراء، أليثيا التي… 

الأم: … أنجبت طفلاً دون زواج. هل غدًا عندنا موعد الـ…؟

الابنة: ذهبنا الــ…

الابنة الأخرى: أي رأس هذا الذي لك يا أمي…

الأم: عليّ أن آخذ الـ…

الابنة: هل أحملها ِإليك مع …

(لم تتحرك إحداهما وربما لا…)

الأم: ماذا حدث كي لا …. بيرتا؟

الابنة: اتصلت أن…

الأم: يمكننا أن نشاهد فيلمًا في…

الابنة: سأشعله الآن و …

الأم: احضري لي فستانك، وهكذا…

الابنة: يا أمي…

الأم: … أصلح لك قفل السوستة…

(تختفي المشاهد ببطء شديد بينما النساء فيها بلا حركة.)

[1]إشارة إلى الشاعرة والمفكرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثرناك (1939-1972). انتحرت بينما كانت تُعالج في مصحة نفسية في بيونوس أيريس. (المترجم).

[2]مقاطع من “التي عيناها مفتوحتان) لأليخاندرا بيثارنيك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى