حكايا من القرايا.. ” ماتت تفاحة “
عمر عبد الرحمن نمر
ماتت تفاحة! خبر صادم، استيقظوا في الصباح الباكر، ووجدوها بلا أنفاس… ولا حراك… البقرة تفاحة، كانت تعيش في البيت معهم، هي في قاع البيت، وهم على المصطبة… تفاحة ماتت إذن، وتركت عجلتها وردة وحيدة يتيمة…
وجمت العائلة كلها، وبكى أبو السعيد، والزوجة والأولاد على موت تفاحة… كانت تفاحة كريمة حد الجود، تجود بحليبها صباح مساء للعائلة، يسقون وردة قبل فطامها قليلاً منه، ويأخذون الباقي، يروّبونه في مرطبانات لبناً، يبيعونه، أو يلفّونه في شرايط ويربصونه جبناً، أو يروّبونه ويدحبرونه لبنة لذيذة طيبة المذاق… ماتت تفاحة، لكننا سنشتاقك يا تفاحة… كانت تلاعب أحمد الصغير، تمدّ له يدها، فإذا اقترب منها، لثمته بفمها، وسبّلت له شعره، حتى كان يظن أن ردّة شعر أحمد الدائمة، كانت من تمشيط تفاحة له… تفاحة خادمة الأرض، كانت تعرف أراضي أبو السعيد قطعةً قطعةً، فإن شرّق بها فهي ستحرث في الجدايل، وإن قبّلت فهي في خلة الأسد… وهكذا، كانت تحرث اليوم كله، بلا شكوى ولا تذمر…
تفاحة ماتت، لم تمرض إلا أسبوعاً واحداً فقط… حافتها الحرارة، فسخنت، وفقدت شهيتها في الأكل، ورفضت تبنها وشعيرها… كما رفضت ماء الشرب… تفاحة حيّرت أهل البلدة جميعهم، ظن أبو خليل، أن البقرة قرصتها حيّة، فكوى ظهرها، بمنجل أحماه على النار حتى احمرّ، وكواها، وبالكاد تحركت تفاحة إثر الكيّ، وظن أبو مفلح، وهو تاجر حلال، وجلّاب أغنام، أن شيئاً غريباً دخل معدتها وآذاها، فحاول سقيها الخروع والحليب، علّ في ذلك الفرج… ناولوها الأدوية كلها، أعشاباً، وسوائل، وتحويطات… وهي تنظر إليهم بعينيها الذابلتين… وكأنها تودعهم.
أبو خالد، زار البقرة في العاشرة ليلاً، وعيال أبو السعيد كلهم حولها، الزوجة والأولاد حزانى. عاينها، وفحصها، ثم همس في أذن أبو السعيد كلمة… صاح إثرها أبو السعيد: لا يمكن، انجنّيت يا رجل … شو صرلك…؟ والله بذبح ولد من الأولاد ولا بذبح تفاحة… استدرك أبو خالد الأمر، وقال: والله أنا بنصحك… تتعوظ لك منها إشي… حرام عليكم البقرة بتموت قدامكم وإنتو بتتفرجوا عليها… نظر إليه أبو السعيد نظرة فيها احتقار، فظبّ أبو خالد كلماته في جوفه…
وها هي ماتت تفاحة… أرادوا جرّها خارج البيت بحبل، لكن أبو السعيد رفض ذلك، جاء بعربة يجرّها تراكتور زراعي وحمّلها إلى خلّة الأسد، ودفنها هناك… خوف نهش الكلاب لها، وأكلها… دفنها في الأرض التي خدمتها… وفي عزّ صمت العائلة… صاحت العجلة وردة… وسمع لها خوار حزين…!