ليالي آب

هند خضر | سوريا

غالباً ما أُصاب بالهذيان عندما يلقي الليل بظله الثقيل فوق قلبي، عقلي لا يحتمل فكرة أنك هنا ولستَ هنا، فؤادي لا يستطيع انتزاعك من بين ثناياه فما الحلّ إذاً؟
يومياً يضاجع مهجتي القلق ،أحتسي كأساً من الحزن المعتّق في خوابي العلقم، أخشى على عيوني من انطفاء نورها بعد رحيلك، أخاف من لحظة لا أستطيع فيها البكاء فأختنق وألفظ أنفاسي الأخيرة ولا أحد يعرف لماذا خرجت روحي من جسدي سواك ..
يصيبني الرعب من رؤية كل شيء تافهاً في نظري فأعلن للعالم انطفائي الأخير ..
على الرغم من سطوع قرص الشمس الملتهب في صباح آب إلا أنني أشعر ببرد قارس ترتعش معه عظامي لدرجة يُخيْل لي أنني أمسك قطعة جليد بيديّ، ضع عليّ غطاء حبك كي يعتريني إحساس بالدفء، غنيلي و ربّت على كتفي كي أهدأ وأنام فأنا طفلتك المدللة و صوتك قيثارتي التي أهوى، دعني أستقي منك لذة حبنا فنحن الآن معاً وغداً لا نعرف أين نكون ..
صيفي هذا مفعم بحضورك في عالمي ولو أنني على يقين بأنه ليس بالحضور الأزلي ، في يوم من الأيام سترحل عني ولكن لن ترحل مني ،يالذكراك التي عاشت في روحي!
كيف سأمضي ولهيب الذكريات يضرم ناراً في أحشائي؟ !
الذكرى لن تدعني وشأني، ستطاردني عندما أفتقد كلماتك صباحاً فقد اعتدت على تناول غزلك بشراهة كوجبة للفطور، سأقطع آلاف الأميال إليك ما إن سمعت أغنية كنا قد سافرنا عبر نغمها الفريد ومن مقاماتها عزفنا لحن عشقنا ومن ثم سأعود إلى مكاني الخالي من الجميع إلا منك ..
قل لي :كيف يتراءى لك شكل سهراتي ولونها بعد أن تصبح خالية منك ؟
هاأنا أكلمك حتى بزوغ الفجرفي ليالي آب ، أختلي بك عندما ينام الكون ويصحو اشتياقي، نتسامر تحت ضوء القمر وتشهد علينا نجوم السماء، أدمنت على شرب كأس خمرة الحب من بين أناملك فكيف سأتعافى من هذا الإدمان؟
على وقع خطواتك في مدخل شرياني أهتدي إلى ابتسامتي، أما عندما تزفّ لي الدنيا ذاك الخبر الذي لامفرّ منه فتأكّد سأدفنها في مهاوي وجعي القاتل الصامت وأعدك ..
أعدك بأن ألملم أتراحي بأطراف أصابعي التي اشتعلت بعود ثقاب فقدانك، أبتلع حزن مدينة بأكملها، وأمضغ جرحي الذي أهداني إياه قدري بكبرياء أينما لمحتك كي تبقى خطواتك ثابتة على الأرض وأما عندما تطفو صورتك على سطح مخيلتي وتنعكس على ملامحي سأعلقها على جدران روحي النازفة لتكون البلسم الشافي والمرمم لذاك الشق الهائل الذي خلفته طعنات الحياة فيها.
أودعتُ أغلى ما أملك بين يديك ولهذا أوصيك عند مماتي أن تغسل جسدي بدمع عينيك وتطبع قبلة على جبيني قبل أن تدفن جثماني بين ضلوعك لترقد روحي بسلام.