علوم
إدمان تيك

د. فيصل رضوان| أمريكا
يذهب صديقى إلى الحمام مع هاتفه المحمول، لكنه لا يخرج إلا بعد ساعة تقريباً . أكلمه لا يرد …. اطرح عليه أسئلة لا يجيب عليها إلا بـ”همهمة”. أدعوه للخروج، لكنه يرفض، مفضلاً البقاء في غرفته منحنياً على هاتفه الذكي، وهو ينقر على الشاشة بجهد كبير، بينما أنا لا يسعنى إلا التساؤل عما إذا كان يلعب لعبة أم أنه يتابع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. تُعتبر هذه السلوكيات الإدمانية جوانب جوهرية في شخصيتنا، ومُصممو البرامج والتطبيقات، بما في ذلك الألعاب ومنصات التواصل الاجتماعي، مُدرَّبون تدريباً عالياً على جذب إنتباه الشخص والحفاظ عليه عبر الأجهزة. يشير مصطلح “إدمان الشاشة screen addiction” إلى إستخدام الشخص للتكنولوجيا بإفراط، مما يجعله معتمدًا عليها ويتسبب بعده عنها أعراض نفسية. ويشمل إدمان الشاشة بشكل رئيسي الهواتف الذكية، وأجهزة التابلت، والكمبيوتر، والتلفزيون. ويُعرّف بأنه حاجة قهرية لاستخدام هذه الأجهزة الإلكترونية، بغض النظر عن آثارها السلبية على الأنشطة والالتزامات اليومية، مثل العمل، والدراسة، والعلاقات الاجتماعية. ينتشر إدمان الشاشة اليوم بسبب زيادة مستوى التفاعل والتحفيز الذي يحصل عليه الأشخاص من استخدام التكنولوجيا، حيث توفر تدفقًا مستمرًا من الإشعارات والتحديثات وخيارات الترفيه التي يصعب على المستخدم تجاهلها. علاوة على ذلك، يمكن لهذه المحفزات أن تُنشّط نظام مكافأة الدوبامين في الدماغ، مما يؤدي إلى دورة من الاستخدام القهري والإدمان كما اشرنا سابقا. وجدت الجمعية الأمريكية لأطباء العيون (AOA) أن الأشخاص الذين ينظرون إلى الشاشات بشكل مستمر لمدة ساعتين أو أكثر يوميًا هم الأكثر عُرضةً للإصابة بمتلازمة رؤية الكمبيوتر computer vision syndrome، وهي التأثير الجانبي الأكثر شيوعًا لإدمان الشاشات. وقد يكون هذا خبر مُقلق، حيث يقضى البعض ما يصل إلى سبع ساعات يوميًا في النظر إلى شاشة الكمبيوتر لأغراض العمل. وهذا بالإضافة إلى أربع إلى ست ساعات من وقت الشاشة الشخصي الذي يقضيه الشخص العادي (معظمها على هاتفه)، يُقضي ما يقرب من نصف اليوم وعيناه مُلتصقتان بالشاشة. وفي حين أن بعض الوقت المستخدم مُنتج، إلا أن الإفراط في استخدام الشاشة فى التواصل الاجتماعي والترفيه، وما إلى ذلك يُمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة العقلية والجسدية للشخص. أولاً: الآثار الجسدية التأثير الجسدي الأكثر شيوعًا لاستخدام الشاشة هو الضغط الكبير الذي تُسببه على العينين. تم إحصاء إجهاد العين الرقمي digital eye strain ومتلازمة رؤية الكمبيوتر computer vision syndrome لدى أكثر من 50% من الأشخاص الذين يعملون على أجهزة الكمبيوتر يوميًا. وتشمل الأعراض: جفاف العين تشوش الرؤية ازدواج الرؤية الصداع ألم الرقبة والكتف في حين أن العديد من هذه الأعراض الجسدية تختفي بعد التوقف عن استخدام الشاشة، إلا أن إجهاد العين طويل الأمد قد يؤدي إلى مشاكل بصرية دائمة. ثانياً: الآثار الفسيولوجية والنفسية يمكن أن يُسهم “إدمان الشاشة” في آثار فسيولوجية ونفسية مثل الأرق والتوتر والاكتئاب. الإكتئاب يُعد الاكتئاب أكثر حالات الصحة النفسية المرتبطة بإدمان الشاشة. وقد وجدت دراسة للطب الوقائي وجود علاقة طردية بين زيادة وقت استخدام الشاشة ومستويات الاكتئاب المتوسطة إلى الشديدة، مع ملاحظة إرتفاع المعدل بين الإناث. ووجدت الدراسة أن قضاء أربع ساعات أو أكثر يوميًا أمام الشاشة يُمثل نقطة تحول في زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. الأرق قد يؤدي استخدام الشاشات قبل النوم إلى العديد من المشاكل التي تؤثر على جودة نوم الشخص. فالضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة يُؤخر إنتاج الميلاتونين، مما يؤدي إلى قلة النعاس. وبالمثل، فإن ممارسة الألعاب المحفزة أو مشاهدة البرامج المشوقة يمكن أن تزيد من يقظة الشخص. التوتر ربما يزعم بعض الناس أنهم يستخدمون وقت الشاشة للهروب من ضغوطات اليوم، لكن الحقيقة قد تكون أن هذا الوقت مصدر للتوتر. حيث يُعد الخوف من ضياع الفرص Fear of missing out (FOMO)، وانخفاض تقدير الذات، والشعور بالوحدة، من بين عوامل التوتر المرتبطة بإدمان الشاشات. وقد وجدت مجلة أبحاث الإنترنت الطبية أن الأشخاص الذين استخدموا وقت الشاشة للترفيه وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي عانوا من توتر عاطفي أكثر بنسبة 19% من أولئك الذين استخدموا وقت الشاشة لأغراض مهنية. الخيارات المتاحة لعلاج إدمان الشاشة يتضمن علاج إدمان الشاشات مزيجًا من الدعم النفسى، وتغييرات في نمط الحياة. أولاً: تغييرات نمط الحياة تشمل هذه التغييرات الحد من وقت استخدام الشاشات بأنواعها، والبحث عن طرق بديلة لملء وقت الفراغ. على سبيل المثال، إيجاد هوايات واهتمامات جديدة تساعد كثيرا فى تقليل الإعتماد على التكنولوجيا. كما يُعدّ التفاعل الإجتماعي وجهًا لوجه بديلًا رائعًا عن استخدام الهواتف الذكية. في بعض الحالات الحادة، قد تساعد بعض الأدوية الموصوفة في معالجة الحالات النفسية، مثل القلق أو الإكتئاب، والتي قد تُسهم في إدمان الشاشات. يساعد العلاج السلوكي المعرفي Cognitive-Behavioral Therapy (CBT) الأفراد على تطوير مهارات وعادات تأقلم جديدة وصحية، وتحديد المحفزات المتعلقة باستخدام الشاشات ومعالجتها، وتعلم كيفية استغلال وقتهم وطاقتهم بشكل أكثر فعالية. وهناك نوع من علاج القائم على اليقظة الذهنية Mindfulness-Based Therapy يستخدم استراتيجيات اليقظة الذهنية التي تساعد الفرد على تعلم كيفية إدارة التوتر والقلق، وهما غالبًا ما يكونان من المحفزات الشائعة لإدمان الشاشات. وفيه يتدرب الشخص المدمن أن يكون أكثر حضورًا ووعيًا بأفكاره ومشاعره. هذا الوعي المتزايد يمكن أن يساعده على تقليل رغبته في قضاء وقت أمام الشاشات بأنواعها. ويأتى اخيرا العلاج الأسري Family Therapy حيث أن إدمان الشاشات يؤثر بشكل كبير على العلاقات مع داخل الأسرة . وهذا يتم بتطوير أنماط تواصل صحية داخل الأسرة ، ووضع حدود لاستخدام الشاشات، وبذل الكثير من الدعم النفسى من جميع أفراد الاسرة لتقليل وقت الشاشة وقضاء المزيد من الوقت معًا. تُعدّ التكنولوجيا الرقمية جانبًا لا مفر منه من الحياة العصرية، سواءً من حيث اتصالاتنا عبر الإنترنت، أو متابعة أحدث أخبار المشاهير، أو ممارسة الألعاب، أو حتى التسوق عبر الإنترنت، وكل ذلك يمكن تنفيذه بلمسة أصابع من خلال هواتفنا الذكية. لذلك، فإن الوعي بالوقت الذي نقضيه على الإنترنت، والاستماع إلى من حولنا ممن يهتمون بمصلحتنا، أمر بالغ الأهمية، وكذلك ممارسة الانضباط الذاتي، وقبول الحقيقة، ووضع حد أقصى لوقت الشاشة، لنمنح أنفسنا أفضل فرصة لحياة يومية سعيدة ومُرضية.