الفلك من الخزعبلات إلى البحث العلمي
سهيل كيوان | فلسطين
تشهد ليالي هذا الأسبوع وابلا قويًا من الشُّهب، بحيث يصل عدد الشُّهب التي يمكن رؤيتها مشتعلة إلى حوالي مئة شهاب في كل ساعة، والأمكنة المفضلة لمشاهدتها هي الأمكنة النائية بعيدًا عن الأضواء والمدن.
هنالك أعداد من الهواة الذي يسافرون خصيصًا إلى النقب لمتابعة ورصد هذه النشاطات الفلكية بالعين المجردة أو من خلال نظّارات خاصة أو تلسكوبات للهواة.
الرغبة في رصد الكواكب ومتابعة حركتها قديمة منذ الإنسان الأول، ومرورًا بعلماء وفلكيين من العرب وغيرهم ممن أبدعوا في التأسيس لعلم الفلك، إذ حاولوا فهم حركة الكواكب، كذلك فقد اتخذها الناس دليلا على الاتجاهات وخصوصًا في الصحاري النائية.
هذه الهواية الجميلة كانت شبه غائبة عن مجتمعاتنا العربية، فالناس مشغولون في معيشتهم اليومية وفي هوايات محسوسة ومباشرة أكثر من رصد الكواكب، ولكن يمكن أن نلاحظ في السنوات الأخيرة اهتمامًا، من قِبل شبان كثيرين من العالم العربي، يرصدون الظواهر الفلكية من خلال تلسكوبات كبيرة نسبيًا، ومحليًا أعرف الشاب موفّق بشر من مجد الكروم الذي اقتنى تلسكوبًا، ويراقب ويسجّل وينشر صورًا عبر صفحته في “فيسبوك”.
هذه الهواية تعزّز ثقة الشباب بأنفسهم، وتكسر الآفاق المحدودة والأطر التقليدية التي رُسمت لهم، كذلك فهي تضع كل ظاهرة كونية تحت مجهر عين البحث دون إجابات جاهزة. لقد اكتسح ما يسمى “علم” الأبراج والتنبؤات بأحوال الناس المعيشية والأحداث السياسية والطبيعية، المجتمعات العربية، من خلال المنجِّمين، بل إن هناك اتحادًا يسمى اتحاد الفلكيين العرب، والمقصود هم المنجّمون، وليسوا علماء الفلك الحقيقيين.
كذلك تبرز مختلف الفضائيات توقعات الفلكيين للعام الجديد، في ليلة رأس السنة الميلادية، ولهذه البرامج ملايين المشاهدين، ثم يتسابق المنجِّمون على إصدار كتبهم قبل نهاية العام، في سباق على قطف ثمار خزعبلاتهم قبل غيرهم.
وتتصدر كتب المنجِّمين واجهات المكتبات ومعارض الكتب، وبين الكم الهائل من الخزعبلات توجد كتب علمية نادرة، من هذه الكتب العلمية النادرة كتاب من تأليف عالم الفلك ابن الناصرة البروفيسور سليم زاروبي. الكتاب بعنوان “فيزياء فلسفة وتاريخ علم الكون”. صادر عن دار الفارابي طبعة أولى 2020 خاصة لفلسطين.
يسعى المؤلف في كتابه هذا إلى تبسيط النظريات الكونية في شرحٍ سلسٍ ومبسّط، يُمكِّن القارئ العادي من فهم بعض النظريات العلمية التي تتطرق إلى الأسئلة الوجودية العميقة، مثل نظرية الانفجار الكبير، وخلق الكون والنظرّية النسبية.
لا يسعى المؤلف في هذا الكتاب للوصول إلى قناعات علمية راسخة، وذلك أن النظريات العلمية غير ثابتة وما كان صحيحًا قبل قرن قد يصبح مشكوكًا في صحته اليوم، ولكنه يسعى إلى ترسيخ طريق البحث العلمي الذي عبَّده المئات والآلاف من العلماء والباحثين الذين شقوا الطريق في خطوات أولى تعتبر صغيرة جدًا في فهم الكون، ولكنها مؤسِّسَة، من دون استسلام إلى أفكار وعقائد مسبقة.
هذه النظريات تفصل التفكير الجاهز المُسبق الذي ظهر عبر التاريخ من خلال الأديان والأساطير والمعتقدات لدى مختلف الأمم عن التفكير البحثي العلمي، الذي قد يلتقي ويتفق في استنتاجاته البحثية العربي والصيني والأميركي والأوروبي وغيرهم، لأن القوانين العلمية واحدة، وبالتالي فإن النتائج واحدة، وبهذا تختلف عن المعتقدات الجاهزة التي تختلف من شعب إلى آخر.
للأستاذ سليم زاروبي الذي استضافه نادي قراء مجد الكروم قبل شهرين، أكثر من مئة وثلاثين ورقة بحثية نُشرت في مجلات علمية عالمية رائدة في مجال فيزياء الكون.
ويقول أ. زاروبي في التمهيد لكتابه، إنه حتى سنوات قليلة سابقة، كتبَ أبحاثه في اللغة الإنجليزية، وما شجَّعه للكتابة في العربية، هو شعوره من خلال محاضراته ولقاءاته في محاضرات أمام الجمهور، هو تعطّش الجمهور العربي إلى المعرفة والبحث عن رأي العلم، وذلك من خلال الأسئلة التي يطرحها الجمهور خلال لقاءاته، وبلا شك أن بعض هذه اللقاءات مع الجمهور ساد فيها التّوتر أحيانًا، وفي أحيان أخرى سادت الروح الرياضية والرغبة في معرفة رأي العلم، كذلك فهناك من افتعل التّوتر رافضًا كل مذهب علمي بحثي يحاول تفسير الوجود ويعتبره كفرًا في العقيدة.
في كتابه الذي يقع في 425 صفحة من الحجم الكبير، يسرد القصّة العلمية للكون، وهي بالطبع تختلف عن القصة الدينية، ويبرزُ أهم الإنجازات والنظريات العلمية حول الكون وتاريخه وتطوّره عبر مليارات السنين، وهذا يستند إلى كمية كبيرة من المعطيات والحقائق الرّصدية المعتمدة على النظريات العلمية.
اقرأ/ي أيضًا | أنا مع نضال سكان جنوب تل أبيب
وقُسِم الكتاب إلى 13 فصلا، لكل منها عدة أقسام، يمكن للقارئ أن يقرأها بالترتيب من الأول فالتالي، ويمكن له أن يقرأ كلَّ فصلٍ بمفرده، رغم أنه في بعض الفصول قد يحتاج إلى معرفة ما ذُكر في فصل سابق.
ويوفّق المؤلف بين القارئ العادي واللغة العلمية بحيث يقدم الشروح في لغة وسَطِية، ويبتعد عن التعقيدات العلمية النظرية قدر المُمكن، يبسّطها دون أن تفقد علميّتها وثقلها، كذلك فقد أوجد مصطلحات عربية رديفة للمصطلحات العلمية الإنجليزية.