صرخات المهدي المنجرة المغيَّبة في مقاربة التعليم والقيم

أجدور عبد اللطيف | كاتب من المغرب

يعج العالم العربي بالطاقات الكبيرة، وبقامات عملاقة أثرت الإنتاج الفكري الذي خرجته للإنسانية، وذلك في كل مجالات الحياة والعلوم والإبداع، ولعل أبرزها في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي عالم الكونيات والمفكر الكبير المهدي المنجرة رحمه الله رحمة واسعة.
لقد عالج المرحوم عدة قضايا تؤرق الإنسان العربي وتشغله، منها ما هو مجتمعي ومنها ما هو اقتصادي، وقد قدم دراسات مستفيضة وتحليلات دقيقة للأوضاع السائدة وقيض لها مقاربات تبتغي حلها بشكل عملي، ولعل أبرز ميدان تعرض له المهدي بالدراسة والنقد والتحليل هو ميدان التربية والتعليم من حيث هو المبدأ والمنطلق ، وقد قاربه من موقعه كأستاذ انطلق من المدارس والجامعات المغربية وخبر كواليسها، وانتهى به المطاف مدرسا بالجامعات اليابانية والأمريكية مراكما تجربة فريدة جدا لقربه وانخراطه في هذه الأنظمة التعليمية الرائدة.
تعرضت الكثير من كتب الراحل للتعتيم والتهميش نظير انتقاده لتغلغل الإمبريالية في الدول النامية وتقويضها لمحاولات الإصلاح خاصة تلك التي تستهدف التعليم والمدرسة العمومية وعيا من هذه القوى الكولونيالية بأن الطفل والتعليم هما مفتاح التحرر وبناء الإستقلالية، كما في كتابه “حرب الحضارات” المنشور سنة 1991م،
آمن المهدي المنجرة رحمه الله ونعّمه، بضراوة بأن المنطلق هو المدرسة وذلك بالتركيز على إعلاء شأن الطلاب والأساتذة، وإكساب هذه العملية صفة القداسة، وكذا بإعطاء النموذج للإنسان الناجح بالمتعلم والأستاذ والمفكر، وتبخيس ما دون ذلك من سفاسف الأمور وهيّناتها، وقد نبه الدكتور لخطورة تغييب هذا المعطى عبر خلق أجيال مغلوطة الأفكار، وتحتقر المدرسة وتخفض من شأن الأساتذة والعلماء، وتزدري الإنتاجات الفكرية وتقصيها إعلاميا واجتماعيا وسياسيا.. ولعل الفوضى غير المسبوقة التي تعيشها بلادنا العربية والأفول الحضاري الفادح التي حل بنا إنما هو نتاج ارتكاب هذه الأخطاء القراراتية العشواء. 
يقول الدكتور: عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان بنوا سور الصين العظيم، واعتقدوا بأنه لايوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات ! وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه، بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب. لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس، فبناء الإنسان يأتي قبل بناء كل شيء وهذا ما يحتاجه طلابنا اليوم. يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:  هدم الأسرة، ثم هدم التعليم، ثم إسقاط القدوات والمرجعيات. ولكي تهدم اﻷسرة : عليك بتغييب دور اﻷم* بجعلها تخجل من وصفها بربة بيت – رغم أن مهمتها بالبيت من أقدس المهام التي اضطلع بها الأنبياء والأمهات دون غيرهم وهي بناء الإنسان-، ولكي تهدم التعليم: عليك بالمعلم* لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه، ولكي تسقط القدوات : عليك ب العلماء* اطعن فيهم قلل من شأنهم، وشكك فيهم حتى لايسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد، فإذا اختفت اﻷم الواعية واختفى المعلم المخلص وسقطت القدوة والمرجعية فمن يربي النشئ على القيم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى