هل أدار العلم ظهره للغرب؟

محمد عبد العظيم العجمي | مصر

لا تزال رسائل السماء إلى أهل الأرضنازلة، تقدم بين يديها النذر.. تذكر وتحذر، وتوعظ وتنذر.. أيها الناس.. لا يمكن أن يستقيم منطق”خير نازل وشر صاعد، نعم تترى، وجحود يطغى” ..ولا تزال سنن الكون تعلن عن نفسها ليل نهار، أنها” لا تتغير ولا تتبدل”(صواعق وزلازل وبراكين وأعاصير.. )، فإذا أغفل أهل الأرض النذر وتماروا بها، أملي لهم، حتى إذا أمنوا المكر، ونسوا الذكر، أخذوا بالعذاب على حين غفلة وهم لا يشعرون..

حدث هذا عندما هجمت هذه الطفرة العلمية على الغرب منذ بداية القرن العشرين، ثم بلغت ذروتها مع بداية القرن الواحد والعشرين.. وقد أفاض العلم على أهله بما لم يفض عليهم  فيما مضى من عمر الحياة.. ولا يخفى عن ذي لب ما تغير من شكل الحياة، وتواصل أهلها، واقتراب مسافات الكون، وتذلل مفرداته طواعية بين يدي الإنسان(الغرب خاصة)، وإذعان نواميس الكون لمفردات العلم التي أخذوا بها، حتى “ظن أهلها أنهم قادرون عليها”.

وقد نجد من بداهة السنن الربانية “عطاء الأسباب”، وهو عطاء تمن الحياة به على أهلها، إذا أخذوا بأسباب تسخير الكون التي رتبها الله لهم، وضربوا في دروب الأرض آخذين بمنطق العلم والعقل الذي دعي إليه الناس كافة، المؤمن منهم والكافر، والبر والفاجر “قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشء النشأة الآخرة”.. “أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء”..

وقد فطن الغرب لهذه الدعوات فسارعوا أن يسبقوا إليها حتى أخضعوا من أمر الطبيعة ما أغفلهم عن أمر خالقها، واستعانوا بما أتوا من عطايا الكون لمحادة خالق الكون.. وما فطنوا أن الدعوة إلى النظر والسير، و تسخير الكون لابد أن تكون آخذة بزمام العقل لتوحيد خالق الكون، وصارفة فكره عمن سواه من دعاوى المبطلين والمنكرين والجاهلين ..

فالعلم له خالق واحد، هو نفسه خالق الكون والحياة والممات، ولا يمكن أن يوصل أي من ذلك إلا إليه، فإن أفضى لغير هذا الخالق، فلابد أن تكون منظومة هذا العقل قد اختلت، فإن سنة العلم لا تنحرف عن مسارها الذي فطرها عليه خالقها..  ولكن عقل الإنسان هو الذي ينحرف، فيتبع أثار الهوى وسبيل الشيطان ..

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث بشر بن جحاش القرشي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، “بصق يوما في كفه فوضع إصبعه عليها، ثم قال : قال الله تعالى: يابن آدم .. أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حى إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين بردين.. وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت.. حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق.. وأنى أوان الصدقة ؟”

وإذا كان الغرب قد أوغل في بحار العلم، حتى بلغ منه مبلغا نسي معه أنه مخلوق، وأنه عبد، وأن على العبد أن يقوم لخالقه بحق العبودية، ويقر لنفسه بالضعف وله بالقوة، ولنفسه بالعجز، ولربه بالعزة.. فماذا قدم الغرب مما وجب عليه من نعم الخلق والإيجاد، وتذليل أسباب الكون بين يديه.. لقد تحلل من كل عقيدة وخلق وقيمة، وبارز خالقه بنعمة العلم التي من عليه بها، بل جعل العلم ندا من دون الله ، واخترع من دعاوى الباطل (العلمانية، واللادينية وفسلفات الإلحاد)، ما يحادد به ربه .. ثم عاث في الأرض فسادا، يشعل نيران الحروب، يهلك الحرث والنسل، ويبغي فيها بغير الحق، ويتطاول بترسانته العسكرية، ورؤوسه النووية، وإعجازاته الطبية، وتقنياته العلمية ..

فحق عليه مصير الأمم الهالكة من قبله، وقد جرى عليه ماجرى على أسلافه من سنن العقاب والعذاب “ولقد جاء آل فرعون النذر. كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر” (القمر) .. وهاهو الغرب الآن المفتخر المقتدر يصرخ مستغيثا، وما من مصرخ، ولا من مغيث .. يجأر تبلغ جأراته الآفاق، فلا يسمع إلا صدى صوته، ولا يصغي له من أهل الأرضأحد، وقد شغل كل منهم بما أهمه عن إصراخ بعضهم بعضا، وحاق بهم بعضا من حوقه.

وإذا كانت هذه النقمة تمهل البعض من أهل الإيمان، لكنها ليست من الظالمين ببعيد.. وإن كان لم يقع بهم ما وقع بغيرهم حتى الآن، فليس ذلك عن كرامة لهم على الله، ولا فضيلة سبقت لهم، وقد حذا حذو أقرانهم، حذو النعل بالنعل .. من استطالة الظلم ، والإعلان بالفواحش، والضيق على أهل الإيمان، وإملاءأهل الألحان..

وقد قدم أهل السفه، وأخر أهل العلم والورع، وتقدم الجهل وتراجع العلم ، ونعى صاحب العقل حظه ، حتى صار غريبا بين أهله،، وفاض المال بين السفهاء وضيق على العلماء .. ونطق الرويبضة،. وتقلد أمر الناس من وجب تأخيره ، وتأخر فيهم من حقه التقديم ..

إلا أنه يظل هذا الرباط الذي يصل أهل الأرض بالسماء، وهذه الفزعة التي يهبون بها في النواكب والنوازل إقرارا منهم بالضعف والعجز، وإفرادا لخالقهم بالقوة والعز .. وهذه البقية من أهل العلم تبرأ إلى الله ليل نهار مما يفعل السفهاء، وتعتذر إلى خالقها عما بدر من أفعال المبطلين .. هذا الحبل الذي لم ينقطع بعد ـ والله لا ينزع حتى ننزع ـ .. ولعل هذا هو الذي يؤخر عنا ما أحاق باقراننا من أهل الأرض ..

إن كان لا ينجينا في الأزمة إلا الإخلاص، في العمل والدعاء، مع الأخذ بمنطق الأسباب، فوالله لا ينجينا في الرخاء غيره،، فلنخلص النية ونجدد العهد، ونبرأ إلى الله مما أسلفنا وما أسرفنا .. لعل في هذا تكون موعظة ومعتبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع” قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب”.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى