حوار عالم الثقافة: أ.د. أسامة إبراهيم والكاتب محمد قدو أفندي أوغلو (وجها لوجه)

 

  • التفكير الناقد وقاية من التطرف
  • التعليم لا يعني ملء الدلو؛ بل إضرام النار
  • المعلومات التي يتم تداولها حول الفروق بين الجنسين معلومات غير دقيقة

في هذه الزاوية النقاشية نلتقي مع  د. إسامة محمد إبراهيم المتخصص في “نظم وأساليب تعليم الموهوبين من جامعة برمنجهام البريطانية، و “المستشار بإدارة البحوث والسياسات بمؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع″، و”خبير التخطيط الاستراتجي، وتقويم البرامج الإثرائية للموهوبين والحاصل على العديد من الجوائز من أهمها: “جائزة أفضل إنتاج علمي في مجال علم النفس من الجمعية المصرية للدراسات النفسية عام 2008م”، و”جائزة حمدان بن راشد لأفضل بحث تربوي تطبيقي على مستوى الوطن العربي 2009م”، و”جائزة خليفة التربوية للبحوث التربوية الإجرائية المبتكرة على مستوى الوطن العربي “، و”جائزة فؤاد أبو حطب من الجمعية المصرية للدراسات النفسية 2011م. وحول الإبداع ورعاية الأطفال الموهوبين دار هذا الحوار بيننا…..

 

  • هل الثقافة العربية والمؤسسات التربوية اليوم تؤدي دورها اليوم في بناء جيل راشد؟

للأسف تعاني الثقافة العربية الحديثة من مجموعة من التوجهات السلبية التي كثيرا ما انعكست وعُززت في مؤسساتنا التربوية. يمكن ملاحظة ذلك في التوجهات الأنانية على حساب المسؤولية الاجتماعية؛ وتقلص الشعور بالماضي والمستقبل لصالح الحاضر؛ وانخفاض واضح لقيمة التفكير الناقد والحكمة لصالح السطحية والإثارة؛ والاستهلاك المفرط للسلع وتسويقها؛ وفقدان المعايير الفكرية والأخلاقية. وفي بالتعليم على وجه التحديد، هناك تركيز متزايد على المبتكرات ذات التكنولوجيا الفائقة والراحة والسرعة أكثر من التركيز على العمق والعمل الجاد والتفكير المستمر؛ والاتجاه نحو تقديم تعلم مجزأ بدلاً من منهج متكامل تعليم كلي … للأسف كل هذه الاتجاهات الثقافية السلبية انعكست وعززت في مؤسساتنا التعليمية.

 

  • وما أهم ما يجب أن تعمل المؤسسات التربوية من أجل إعداد أبنائنا للمستقبل؟

في لقاء شخصي مع عالم النفس الأمريكي روبرت ستيرنبيرج سألتُه، ما الذي يجب أن نركز عليه في بناء شخصية أبنائنا للمستقبل؟ قال: “لقد أنتجنا في أمريكا الكثير من العقول الموهوبة والمبدعة، لكنها أضاعت البلاد أثناء الأزمة العالمية، لأنهم وظفوا ذكاءهم لمصالحهم الشخصية .. وهذا بسبب أننا ركزنا على تربية العقل دون الروح والأخلاق .. أنا أوصي بالتركيز على خمسة خصائص: الذكاء العملي، والحس المنطقي، والتفكير الأخلاقي، والحكمة، الصمود النفسي، وحس المسئولية … هذه الأشياء هي ما سينتج للمجتمع مبدعين صالحين” …

 

  • كيف يفكر الأطفال عادة وما الذي يجب أن نعود أطفالنا عليه في المرحلة المبكرة؟

هناك ثلاثة طرق للتفكير عادة ما يتبعها الأطفال في المرحلة الابتدائية:

– بعض الأطفال يفكرون بطريقة (ساذجة): نحن نعوِّد أبناءنا، بطريقة غير مباشرة، أنه لا داعي لأن يفكروا، فنحن سنفكر عوضا عنهم. كثير من الأطفال يصدقون كل ما نقوله لهم، أو كل ما يسمعونه في التلفاز، دون أن يطرحوا الكثير من الأسئلة حول دقة ما يسمعون أو يقرأون،. والبعض يفكر بطريقة (أنانية)؛ فهم يفكرون كثيرا كي يحصلوا على ما يريدون ومن أجل الحصول على كل ما هو ضروري لتحقيق أهدافه الشخصية فقط، والبعض يفكر بعقول (منصفة): فهم في الغالب لا يصدقون كل ما يقوله الآخرون أو ما يرون ويسمعون، ويفكرون في “كيف يفكر الآخرون” وليس فقط كما يفكرون هم أنفسهم، بل يكون لديهم الدافع لفهم الآخرين ووضع أنفسهم مكانهم ليستوعبوا كيف يفكرون ويتصرفون، وهذا ما يجب أن نعود عليه أطفالنا  من أجل فهم الآخر والتعايش مع الاختلاف  ..

 

  • كيف ومتى يمكن البدء في تعليم أو تدريب الأطفال على التفكير؟

تعتبر السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل حاسمة لتنمية القدرات الإبداعية، حيث يظهر لديهم الخيال الواسع. يجب على المربين فتح نوافذ الحرية والبعد عن التخويف، وتعويدهم على الانفتاح العقلي والمرونة في التفكير وعدم التصلب، وترك مساحة من الحرية للاختيار واتخاذا القرارات، ومحاولة غرس حلول جديدة، وعدم الاعتماد على حلول مسبقة قد يجدها الطفل جاهزة وسهلة لاستخدامها، وتشجيع الطفل على الاستقلالية في الوصول إلى حلول للمشكلات .. يجب أن يتذكر المربون أن “التعليم لا يعني ملء الدلو، بل إضرام النار” ..

 

  • الشباب اليوم يعاني من كثرة التيارات التي تتنازعه، كيف يمكن حمايته من الانزلاق في الاتجاهات والأفكار المتطرفة؟

إن تدريب الأبناء على التفكير الناقد والتفكير المنصف، والبعد عن التحيز هو أحد أهم السبل لحمايتهم من التطرف والأفكار الهدامة، وأقصد بالتحيز هنا ميل الفرد اللاواعي إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها بطريقة انتقائية. هذا النوع من التحيز يمثل خطأ منهجيا في الاستدلال وعادة ما يقود إلى حلقة مفرغة من الأفكار الأحادية. يجب أن يتدرب الشباب على التعرف إلى المغالطات المنطقية التي تتكرر في المحاجات، وأن يتعلموا أن المعرفة ليست كلها موضوعية، بل ربما معظمها نسبية وتتميز بالذاتية. وعلى الشباب وسط هذا الكم الهائل من المعارف، أن يمارس قدرا من التفكير الناقد عند تلقيه لهذه المعارف. هذه المعالجة النقدية لما يتلقونه سوف يعصمهم بإذن الله من الذل في براسن الأفكار الضالة والمنحرفة.

 

  • ماذا تقصد بأن التحيز والمغالطات المنطقية تحدث بطريقة “لا شعورية أو لا واعية” ومتى يحدث ذلك؟

في الحقيقة، كثيرا ما يُكوِّن الشباب رأي في قضية فكرية ثم يسعون لتدعيمها بالأدلة، لا أن تقودهم الأدلة لتكوين الفكرة … في الغالب هذا يحدث عن طريق حيلة لاشعورية تجعل الشاب يعتقد أنه يسير وراء الأدلة، في حين أن العكس هو ما يحدث؛ فما يحدث أنهم يقومون بجمع المعلومات بشكل انتقائي، ثم يفسرونها بطريقة منحازة. ويكون تأثير هذا التحيز في أعلى درجاته في القضايا أو الموضوعات المشحونة عاطفياً. في هذه المواقف، يميل الأفراد إلى تفسير الأدلة الغامضة لصالحهم أو بطريقة تؤيد آرائهم. أثناء قيادة السيارات، هناك العديد من الحوادث التي عادة ما تسببها ما يعرف بـ “النقطة العمياء”، وهي تلك المساحة التي لا يمكنك مراقبتها من خلال المرايا المثبتة على جانبي السيارة. وفي التفكير، تُحدث عمليات التحيز التي يمارسها العقل حالة مشابهة لذلك، حيث تُحجب بعض مساحات التفكير وتوضع “خارج نطاق الرؤية”، ولكي نتجنب هذه الحالة علينا الالتفات جانبا خارج نطاق ما يفرضه العقل علينا من اتجاه، تماما كما يفعل قائد السيارة قبل أن يقرر تعديل اتجاهه.

 

  • نسمع كثير عن وجود فروق بين الأولاد والبنات فيما يتعلق بالتفكير أو القدرات المعرفية، ما حقيقة هذه الفروق من الناحية العلمية، وإلام تعود؟

للأسف، كثير من المعلومات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام وحتى في البحوث العلمية حول الفروق بين الجنسين في وظائف المخ هي معلومات غير دقيقة تم استخلاصها من نتائج أبحاث ذات تصاميم تجريبية ضعيفة. من بين هذه المعلومات المغلوطة أن لدى الذكور روابط أكثر داخل شقي الدماغ، بينما لدى الإناث روابط عصبية بدرجة أكبر بين شقي الدماغ، وأن أدمغة الذكور لديهم قدرة أكبر على الاستدلال المكاني، بسبب زيادة حجم الشق الأيسر في أدمغتهم .. كل هذه الاستدلالات واهية الحجة ولا يوجد دليل كافٍ في علم الأعصاب يؤكدها. عوضا عن ذلك، نحتاج إلى النظر في التأثيرات الاجتماعية والثقافية لتلك القوالب النمطية التي تحد من قدرات الإناث والذكور على حد سواء.

 

  • ولكننا نشاهد بالفعل فروقا واضحة بين الرجال والنساء في الدراسة وفي أماكن العمل، كيف نفسر ذلك؟

هذا يعود إلى تأثير الأدوار الاجتماعية والثقافية.. على سبيل المثال، تواجه العديد من النساء معضلة متكررة حول كيفية تحديد أولويات حياتهن. ويُعد الصراع بين أن تبني مستقبل مهني أو أن ترعى الأسرة مشكلة عملية حقيقية. أحيانا تتكمن بعض النساء من التوفيق بنجاح بين كلا المهمتين، وأحيانا يكون عليهن الاختيار بين أحدهما. وغالباً ما تتعلم المرأة أن تحتل المكانة الثانية بعد زوجها وأطفالها، وقبول هذا باعتباره شيئاً لا مفر منه. وفي الغُربة – تُعرَف النساء اللاتي يَطُفن مختلف أنحاء العالم، ودورهن الرئيسي مساندة أزواجهن في مهنتهم بـ “الزوجات التابعات”. وتشير العديد من قضايا الطلاق الأكثر حدوثا إلى تضحية المرأة بمستقبلها الوظيفي من أجل العناية بأطفالها وزوجها. ويطلق أحيانا على هذه الحالة بالعامية “متلازمة الخبز المحترق”؛ إشارة إلى ميل الأم إلى الحصول في نهاية الأمر على قطعة واحدة من الخبز المحترق، ومفضلة القبول بالمكانة الثانية.

 

  • كثيرا ما نعقد مقارنات بين شبابنا والشباب في الغرب، في رأيك، ما المدخل لإحداث تغييرات جذرية في سلوكيات الشباب وبنية المجتمع؟

بدون تردد كل تجارب التي استطاعت أن تحدث طفرة في اقتصاداتها وواقعها تخبرنا أن التعليم وجودة الإدارة هما سر التقدم. إن كثير من العادات السلوكيات التي تنفق عليها دول مليارات من أجل تعليمها لأبنائها أو العاملين (وفي الغالب تفشل في ذلك) هي محض مخرجات للتعليم في الدول المتقدمة، وسلوكيات أضحت من عموميات الثقافة فيها. إن التعليم ليس إتقان فقط للمعلومات والمهارات. إن مهمة التعليم هي بناء منظومة متماسكة من القيم الانسانية والأخلاقية والروحية القابلة للحياة، قبل ان يكون اكتساب معلومات ومهارات ومعارف … مهمة التعليم هي بناء الانسان …

***

د. إسامة إبراهيم على هامش السيرة الذاتية

د. إسامة محمد إبراهيم “المستشار بوزارة التعليم السعودية وعمل قبلها مستشارا بإدارة البحوث والسياسات بمؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع″، والمتخصص في “نظم وأساليب تعليم الموهوبين من جامعة برمنجهام البريطانية و”خبير التخطيط الاستراتجي، وتقويم البرامج الإثرائية للموهوبين والحاصل على العديد من الجوائز من أهمها: “جائزة أفضل إنتاج علمي في مجال علم النفس من الجمعية المصرية للدراسات النفسية عام 2008م”، و”جائزة حمدان بن راشد لأفضل بحث تربوي تطبيقي على مستوى الوطن العربي 2009م”، و”جائزة خليفة التربوية للبحوث التربوية الإجرائية المبتكرة على مستوى الوطن العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى