مقاتلو طالبان من مرتفعات الجبال إلى القصور

محمد المحسن | تونس

    شهدت أفغانستان أحداثًا متسارعة ودراماتيكية خلال الأيام القليلة الماضية كانت بالأساس نتاجًا لتحركات ذات نفَس طويل قامت بها حركة طالبان للسيطرة على المدن تباعًا حتى عادت -اليوم-إلى الحكم في أفغانستان بعد أن خاضت نحو 20 عامًا من الحروب الشرسة مع القوات الأجنبية، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك القوات الحكومية التي كانت تدعمها «واشنطن»، وأصبح السؤال: ماذا يحدث في أفغانستان؟
رغم الضربات الموجعة التي كانت تتلقاها الحركة لم تُهزم أو تتراجع، وربما ساعدها في ذلك الطبيعة الجبلية لأفغانستان،كما أن الحركة كانت ولا تزال تتمتع بظهير قبلي، خصوصًا أنها تعبّر بصفة أساسية عن عرقية البشتون الأكبر في أفغانستان، كما يُعتبر البشتون وأفغانستان وجهين لعملة واحدة رغم وجود عرقيات أخرى كبيرة مثل الأوزبك والطاجيك والهزارة.
على مدار سنوات طويلة دعمت الولايات المتحدة إقامة جيش أفغاني قوي، وقدمت لقواته التدريبات العسكرية المكثفة،وصولاً إلى أن رأت «واشنطن» ضرورة سحب قواتها من أفغانستان بعد كل هذه السنوات التي خلفت بلدًا ممزَّق الأوصال دمرته حرب ضروس..
استيلاء حركة طالبان على السلطة في البلاد هو مسار بديهي يعيد البلد إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الغزو الأميركي عام 2001. ببساطة تعيد واشنطن أفغانستان إلى الطرف الذي كان يحكمها وكأن عشرين عاما من الزمن كانت مرحلة عرضية وتفصيلا في تاريخ هذا البلد. وما تغير خلال عقدين هو كل شيء.

     تغير العالم، وتغيرت “طالبان”، وتغيرت الولايات المتحدة،وتغيرت المنظومة الغربية، وتغيرت مصالح الدول المعنية بمصير أفغانستان، وتغيرت أيضا خرائط الإرهاب ..
واليوم..
تتولى- اليوم – واشنطن ولندن وبرلين وبقية العواصم المنخرطة عسكريا في الصراع الأفغاني إدارة “الخيبة” التي يستولدها قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بالانسحاب الكامل من أفغانستان.

    يوحي المشهد أن واشنطن وحلفاءها يقرّون بالهزيمة والفشل، ويسعون إلى لملمة هذه الفوضى، وتنظيم سحب الجنود والرعايا والمتعاونين المحليين، وحفظ ماء الوجه، والتخفيف من مظاهر الاندحار، وتوفير صيغ وفتاوى واجتهادات تسعى للتسويق لدى الرأي ردود فعل على ما يدّعون أنه مفاجأة صاعقة في أفغانستان.
وإذن؟
“انتصار” طالبان إذا،جاء بعد عشرين سنة من الإطاحة بها على يد تحالف بقيادة الولايات المتحدة. أما القوات الأفغانية التي أنفقت عليها مليارات الدولارات لتدريبها وتسليحها على مدار سنوات، فكأنها اختفت!
تخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان، وحالة الفوضى الكاملة التي تسود البلاد، تختصرها مشاهد الفوضى والهلع في مطار كابول، حيث تجمع آلاف الأفغان سعياً للهرب من بلدهم، لكن دون جدوى، ووسط تقارير عن سقوط ضحايا.
التطورات المتسارعة في أفغانستان تثير قلقاً دولياً،خصوصاً من الدول الغربية،التي تهرع لإجلاء رعاياها من البلاد، كما تثير تساؤلات حول تأثير “انتصار” طالبان، التي يخشى الأفغان عودتها لممارساتها الوحشية السابقة، على سياسات الدول العربية “الملتحفة بالأمريكان” وعلى التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تنشط في الدول العربية بشكل خاص.
إن التدخل الغربي في أفغانستان لم ينجح سوى في نشر الوحشية وبؤس الحرب على مدى عقدين من الزمن، كان للشعب الأفغاني نصيب الأسد منهما، وإن حساب تكلفة هذا التدخل، كما يفعل الغرب حتى الآن، من زاوية الخسائر العسكرية لأميركا وبريطانيا فقط، دليل قاطع على أن الحضارة الغربية تعيش حالة من الانحطاط.
زمن هنا، فإن الغرب الذي يتخلى عن غزوته المكلفة في أفغانستان، سيبتلع بسهولة أوجاع خيبته، وسيضجّرنا بنصوص التبرير والتفسير، وسيتمتع بسادية لئيمة بمراقبة تداعيات قرار “تسليم” البلد لحركة طالبان. ولئن فشل الغرب في استيلاد أفغانستان تلتحق بركب الحداثة، فإن الدول التي لطالما نظرت بعين العداء للوجود الأميركي في أفغانستان وتوافقت في ما بينها ضده، ستجد نفسها مرتبكة متفرّقة متناقضة المصالح حول بلد استكانوا لحاله خلال عقدين من الزمن”اللئيم”، وهم يحاولون هذه الأيام إيجاد تموضع آمن في مواجهة العبث، الفوضى والهلع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى