ببن النقد و النقض
رضا راشد | كاتب مصري
ويا بعد ما بينهما؛ فالأول بناء وتقويم، والثاني هدم وتقويض،الأول مبعثه الإصلاح، والثاني مبعثه الإفساد.
غاب الأول (النقد) عن حياتنا فكرية وسياسية وعلمية ودينية ليحل محله الثاني (النقض) حيث حجب الأولَ عن عيوننا وحياتنا التعصبُ للمنقود (مدحا) والتعصبُ على المنقود (قدحا) .واستجلب الثاني لحياتنا كل ما حشيت به قلوبنا من كل معنى كريه: حقدا وغلا وحسدا .
ترى أحدهم يعاني من فراغ العقل والقلب والوقت ما الله به عليم، فلا يجد ما يملأ به فراغ نفسه وفراغ الناس إلا أن يتتبع رجلا فاضلا غمرت حسناته في الناس سيئاته – وما من أحد في الناس إلا وله أخطاء – فينقب في سيرته وأقواله عن هفوة هنا أو مأخذ هناك، فينشرها في الناس منشورا قائلا: هاؤم انظروا أخطاءه، وتبينوا هفواته، ولاحظوا جهله؛ لتعلموا أنكم أخطأتم كثيرا حين اتبعتموه، وزللتم حين أكبرتموه، فمثله حقه أن يصغر في عيونكم وألا يكون له منكم نصيب إلا إعراضكم وتحقيركم . ليفتح الباب على مصراعيه أمام كل من اتبع هواه بغير هدى من الله ليندلق قلمه سبا وشتما. وهذا هو الهدف منا نشر من غساد القول فشُغِل وشغل.
وما هكذا يا سعد تورد الإبل؛ فلو كنتَ للحق مبتغيًا كما تزعم ، وللرشد ملتمسا كما تدعي، ولسبيل النصيحة سالكا، كما تهذي، وما أظنك صادقا= فسبيلك أن تضع كلام الرجل في سياقه كاملا دون بتْرٍ له، ثم يقتصر كلامك على بيان هذا الخطأ إن تعسر حمله على محمل حسن، لا أن تترك وجوها حسنة للكلام يمكن حمله عليها لتحمل الكلام على أسوأ وجوهه مع أنه بعيد .
فيا من يغمس قلمه في هذا المستنقع الآسن :
راقب ربك، واستوضح نيتك، واستبن مرادك، وحاسب نفسك في خلوتك بها، ولا تخدعن نفسك؛ فإن العاقل لا يخدع نفسه،والرائد لا يكذب أهله؛ فلأن يكذب نفسه أبعد .