لغائب لن يعود..

ياسمين كنعان | فلسطين

لو تكف روحي عن مناجاتك، لو يعزف القلب عن النداء، لو تتوقف أصابعي عن العزف القلق، لو…!

لكنه التكرار ذاته، و النداء المكتوم ذاته، والصوت الذي دائما لا يصل؛ فلا عنوان ولا بريد لصوت مرتجف..!

لكنها الأشياء تعيدني إلى ماض أحاول عبوره دون جدوى، فهل أنا عالقة أم مقيدة؟!

وهل أناديك حين أناديك أم أني بيأس أحاول استرجاع ما مضى، وهل أريد حقا استعادة اللحظة الناقصة، أم أني أحاول استعادة المكان..وهل يمكن أن أستعيد المكان واسترجع كل ما كان؟!

ألا تعرف كم تغيرنا وكم بدلت الأشياء أماكنها؟!

اللعنة على هذه الذاكرة التي تئن على أصابع الحنين..!

يقولون لك وهم يرددون صوت النداء المخنوق على صفحاتي”عد لتكتمل اللوحة.!”يطالبون بعودتك إلي، فهل أدعوك مثلهم إلى عودة أسترجعك فيها مليا، أم هل أكتبك هنا لأقتلك كثيرا؟!

ليس بي شهوة الرجوع، وما في القلب نداءات لغائب لن يعود..!

كم مرة قلت لك لكل غياب أظافر تشق جلد الانتظار بلا رحمة، لكل غياب أصابع قاسية تشرع نوافذ سوء الظن وتفتح الشبابيك على احتمالات لا تعد ولا تحصى..!

وأنا ما عدت قادرة على احتمال احتمالات غيابك أو رجعوك؛ والعمر ليس قطعة نرد..!

ألملم ذاتي مثل أحجار “الدومينو”، أعيد ترتيبها مرات ومرات، لكنها أبدا لا تكتمل؛ ثمة الكثير من النقصان؛ هو هذا النقصان يا سيد الغياب..هو هذا ما يتعب القلب والقلم.

أحاول مرارا أن أحرق صورتك، وكلما فعلت اشتعل القلب واشتعلت الذاكرة..وأراك تعود، ويعود ماضيك لبدايته، وأكثر ما يؤرقني في غيابك البداية..لو لم تكن بكل هذا الحضور الطاغي يومها..لو لم تكن بكل هذا…!

يقولون لي” دعيه يعود لتكتمل اللوحة الناقصة، يقولون لي اللوحة الناقصة لعنة؛ فكل نقصان يكمله الغياب لعنة، اللوحة الناقصة تسكنها كائنات لونية قادرة على التمرد على الشكل والتنصل من ظلالها، اللوحة الناقصة تسكنها الأشباح وتتخفى في زواياها جنيات رمادية الأصابع، تفسد المشهد وتطمس الضوء..!

هم يريدون عودتك لينتصر النص على الواقع؛ لأنهم يراهنون على سحر الكلمة، وأنا لا أريد عودتك كي ينتصر النص على النص؛ فكل النصوص التي تكتب في غيابك وعلى أطلال ماضيك انتصار على نص سابق؛ لا أطالب بعودتك ولا أريد أن أكتمل بك، أحب هذه المساحات الافتراضية التي لا تكملها الكلمات ولا يسد مساماتها أي لون، أحب هذا البياض اللامتناهي، وأكره النهايات الموقعة بالحبر..!

يريدون عودتك ليرتاح قلبي من تعب انتظار نزفت على حوافه عمري وقلبي، تساقطت أيامي في ماء الحكاية مثل نقطة حبر وتلاشت.فكيف ألملم ما سقط مني، وكيف أقنعهم أني لا أنتظرك عودتك، وكيف أقنعهم أنك لا شيء سوى توق لحب..ومحاولة يائسة لمقاومة كل هذا القبح الذي يكتنف أيامي..!

هل أكشف لهم أوراقي، هل أعلن لهم أن لا غياب في غيابك، ولا حضور لحضورك، ولا اسم لك ولا ملامح..هل أقول لهم انك شهيتي للحياة، وفكرة أو حالة أحاول تجسيدها على الورق؟!

هل أخبرهم أنك الابن الشرعي لقلبي وحبري، وأني أحاول بك ومن خلالك مقاومة كل هذا العدم الذي يحاصرني من كل صوب..!

هل أبوح لهم بسري الصغير، وهل أكمل اللوحة بألوان باهتة، هل أجهض خيالاتهم وأكتم صوتهم، أم أردد معهم النشيد..عد أيها الغائب فإني سئمت اللوحات الناقصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى