حكايا شهر يار.. لو كنت طبيبي (3)

شرين خليل | مصر

اللوحة للفنان جان هونوري فراغونارد

إذا نادي الهوي والعقل يوما
فصوت العقل أولي أن يجابا

وجاء الليل …
أنهيت عملي لكي أبدأ حياة أخري؛ فأنا أجد في الحديث معها حياتي التي أفتقدها .
إتصلت عليها وأخبرتها أنني لن أسافر فلقد تم تأجيل السفر .
فرحت جدا وقالت :
بجد خبر جميل جدا لإن أحلام صاحبتي جات من السعودية تعبانة ومحتاجة طبيب وبكره ان شاء الله أجيبها و تشوفها ..
– تنوري طبعا .تعرفي أنا بكون سعيد جدا لما بشوفك وبتكلم معاكي والوقت معاكي بيمر بسرعة رهيبة .
لحظات صمت شعرت أنها تريد أن تسمعني وهذا ما دفعني لأخبرها بالجانب الآخر من حياتي :
– عاوز أقولك حاجه بس مش عارف أقولها إزاي؟؟
– خير قلقتني ؟
-أنا متزوج ولدي أولاد. وبدأت احكي لها كيف تزوجت ولكني لاحظت بأنها لم تتفاجأ ولم تقاطعني وتركتني أتكلم وكأني أحكي لصديق لي. حاولت أن أتطرق لمواضيع أخري حتي أري ردة فعلها، حكيت لها عن إرتباطي قبل الزواج كنت أشعر وأنا أحكي بأنني مشوش وأحتاج لمن يرتب لي حياتي ، أفضفض عن مابداخلي وأحكي تفاصيل من المفروض أن أكون نسيتها وأشعر انني أرمي حمل ثقيل من علي صدري ..وهي تصغي إلي فهي حقا مستمعة جيدة كنت أحتاج لمن يسمعني وهذا ماجعلني أسترسل وأعود إلي الماضي بأيامه ولياليه …
– كانت تستمع في صمت وبدقة .أسمع أنفاسها عبر الهاتف تتفاعل مع كل موقف أحكيه حتي توقفت عن صمتها وقالت :
الماضي مهم جدا في حياة الإنسان ولابد للإنسان أن يعيش كل مراحل عمره بالطريقة التي تتطلبها كل مرحلة لإن إفتقاد مرحلة معينة بيأثر علي حياته في المستقبل لإنه بيحاول يعوض حرمانه من المرحلة دي وبيحاول يعيشها لدرجة إن في ناس حياتها بتقف عند مرحلة معينة مهما كبرت ومر بيها العمر. فأنا لاحظت إن في فترة عندك أو مرحلة نفسك تعيشها تاني…وعاوزه أعرف منك دلوقتي وبعد ما تزوجت إنت عرفت ستات تانية ؟
– أكيد طبعا أنا بطبيعة شغلي بتعامل مع سيدات كتير
لكن إيه المرحلة اللي أنا معشتهاش ؟
-هافهمك:
أنا ضد الإرتباط المبكر ومن رأيي إن الراجل لازم يتخرج ويشتغل ويخرج للحياة وبعدين يرتبط يعني لازم ياخد خبرة في الحياة أولا و بعد كدة يرتبط ويتزوج .
قاطعتها :
يعني لو كنت جيت أخطبك وقتها كنتي هاترفضي ؟
-بالطبع كنت هارفض دي وجهة نظري من وأنا طالبة في الجامعة وأعتقد إن أغلب الرجال اللي تزوجوا بدري بيعيشوا فترة مراهقة متأخرة ودا بيسبب لهم مشاكل في حياتهم.. وطبعا الرجل عشان يبرر موقفة دايما بيطلع زوجته غلطانة وبيحاول إنه يظهر بمظهر الضحية عشان يكسب تعاطف اللي حواليه.
-إيه الكلام الجامد دا هو إحنا في محاضرة ولا إيه !!؟؟

-لا أبدا أنا حبيت أوضح لك وجهة نظري مش أكتر .

-يعني تقصدي إني ممكن أكون بعيش مراهقة متاخرة ؟
صمت ..
ليه مش بتردي ..سؤالي صعب ..
ليه ساكته ؟
أجاوب أنا :
-أنا فعلا حاسس إني لما بكلمك برجع بالعمر سنين لأيام شبابي .. يعني هو فيه دكتور عاقل يروح يقف تحت البلكونة لحد الفجر أكيد مجنون يا مراهق بس ممكن أسالك انا كنت متوقع إني لما أقولك إني متزوج هايكون مفاجأة ليكي لكن إنتي زي ماتكوني كنتي عارفه ؟
-عادي كنت متوقعة ، أنا دايما بفترض كل الإفتراضات . قولت لنفسي إنسان في سنك دا ونجاحك وتفوقك ومستواك المادي أكيد متزوج.
-ممكن أسألك أنا عن الماضي ؟؟
-أنا عارف إنك إتجوزتي بعد ماشيتي من العيادة راجعت البيانات بتاعتك مع إني مش بهتم بأي بيانات للمرضي، دا شغل السكرتارية ، بس أعمل أيه .. مراهق ..
-مش بقولك إنت بتحب الماضي وبتحب تحكي عنه لأنك بتفتقد روحك ف الماضي وفي حجات كان نفسك تعملها ومعملتهاش عشان كده نفسك تعيش الماضي من تاني.أبدأ لك من الماضي زي ما إنت طلبت وبعدين نبقي نتكلم عن الحاضر .
أنا كنت فتاة حالمة ورومانسية جدا نشأت في أسرة تفتقد الحب . أب وأم دائمي الشجار .. حياة مثل الصحراء القاحلة.. بداخلي حزن وأشعر بالإغتراب .أبحث عن الحب ولكن بشكل عقلاني .لا أريد إنسان هوائي يحبني لفترة ويتركني . كان مهم عندي الإرتباط بشخص أجد فيه النضج ويختارني بعد كل تجاربه أريد الحياة الدافئة والجو الاسري الحنون .
وجدت الحب في أستاذي في الجامعة .. كان فيه كل الصفات التي تمنيتها .. العقل والجاذبية والعلم والقلب الحنون وكان يبادلني نفس الشعور ولكنه للأسف كان منفصل علي الرغم أنه كان متزوج عن قصة حب .. الملفت أن أسمه نفس إسمك ..
حزنت جدا حتي الإنسان الذي وجدت فيه الحب كان أيضا فاقدا للحب ..
قررت أن أعيش بعقلي فقط وأقنعت نفسي بأن الحب لن يأتي مرة أخري وسوف أتزوج بعقلي ..
قاطعتها وبداخلي غيرة لا أعرف سببها وبلهجة كلها حدة وعنف !!
والحب فعلا مجاش؟؟ وبعدين ليه مش بتحكي لي زي مابحكي لك أنا حكيت لك بالتفصيل لكن حاسس إنك بتقري قصة من كتاب .ممكن تحكي لي اكتر عن الأستاذ الجامعي وبطريقة أوضح من كده ..
– أنا مش فاهمه إنت متضايق ليه وبعدين أنت طلبت أكلمك عن الماضي وهو دا بالنسبة لي الماضي ودي قصة وإنتهت وعلي فكرة أنا فعلا كتبتها عندي في مذكراتي أنا بحب كتابة القصص جدا ..
_ قصص ؟؟إنتي بتحبي قراءة الكتب ولا كتابة القصص ؟ حيرتيني معاكي ..
_ أنا بحب الإتنين اللي بيحب يكتب أكيد بيحب يقرأ .. وكفاية إنهاردة كلام الفجر خلاص قرب يأذن .أشوفك بكرة ،سلام .
-سلام
بداخلي تساؤل ولكن غيرتي جعلتني أنسي أن أسألها هل إنفصلت عن زوجها فهي دائما وحيدة والغريب أنها تسكن مع والدتها وأخوها .
وفي اليوم التالي:
جاءت مع صديقتها ومعها هدية وكالعادة طبعا كتاب لكنه عن الأذكار والأجمل زجاجة ماء زمزم أحضرتها صديقتها معها من السعودية
فرحت جدا بها. وكانت دقائق رائعة علي الرغم من وجود صديقتها فأنا لم أكن أري سواها ..
وبعد ما أنهيت عملي وجاء موعد حديثي اليومي معها :
سألتها عن رأي صديقتها وماذا قالت عني ؟
أجابتني وهي تضحك :
– بتشكر فيك جدا، معجبة، لدرجة إنها بتقول لو مش متزوج كنت تزوجته..
-غريبة يعني واحدة أول مرة تشوفني رأيها كدة .. وإنتي اللي عرفاني كويس ماقولتيش كده .
ردت بعنف :
وأقول ليه؟؟ دا ماينفعش أصلا .
– طيب لو أنا مش متزوج أو رجع بينا الزمن كنتي هاتوافقي ؟
– إحنا مش قولنا الكلام دا قبل كده ..
– ليه بتردي عليا بقسوة ليه مش حاسه إني بحبك ،أنا بحبك ..
إندهشت للحظة من صراحتي .. وكان ردها بلهجه غضب شديدة:
اللي بتقوله دا مينفعش وميصحش هو أنا عشان سمحت لك تتكلم معايا يبقي تقولي كلام زي ده .
لاقيت نفسي بقولها انا مفيش واحدة قالت لي لاء ولا ردت عليا كده .
– أيوا بقي وانت فاكرني زي اي واحدة .
– لأ طبعا إنتي غير أي حد ،ليه القسوة دي ؟أنا لما قولت لك إني بحبك كان عشان مش قادر أخفي مشاعري أنا كنت حاسس إن صاحبتك أخدت بالها وعشان كده سألتك عن رأيها أنا كنت بحاول إنهاردة إني أتمالك نفسي قدامها ومحتاج أعرف منك إذا كان لي مكان في حياتك ولا أنسحب بهدوء..
– ياريت تنسحب قبل ما اقول كلامك ممكن يزعلك ..سلام
وأغلقت الهاتف قبل أن أرد عليها السلام ..
إنطلقت بسيارتي في الشوارع هائما وحزينا ولا أدري إلي أين أذهب أو ماذا أفعل ..ومرت الساعات حتي طلوع النهار وأنا في سيارتي .ذهبت لمنزلي وانا محطم من شدة تعبي نمت حتي وقت متأخر وذهبت لعيادتي متأخرا ومرهقا جدا وبعد الإنتهاء من عملي وجدت منها رسالة تسألني عن نوع من الدواء .نسيت الإرهاق والتعب فهذه الرسالة دليل علي أنها تريد أن تتكلم معي ولا تعرف كيف تبدأ ..لذا بدأت أنا كالعادة ..
-أنا مش عارف أبدأ كلامي معاكي منين بس أرجع وأقولك أنا أسف إني زعلتك أنا من الصبح وأنا عاوز أكلمك .من الآخر أنا مش عاوز أخسرك محتاجك جنبي ممكن ؟
– ممكن نكون أصدقاء غير كده لأ.
– لازم تسمعيني
– هسمعك .. بس الاول لازم تحكي لي علي اللي ماقالوش لاء واحدة واحدة ..إحكي ياشهريار وأنا كلي آذان صاغية ..
طبعا حكيت لها حكايات كثيرة جدا .وكنت أبالغ في بعض الأحيان لكي أظهر أمامها بمظهر الفارس الذي تتهافت عليه النساء.
كانت تسمع بدقة وتسأل عن كل التفاصيل وأنا سعيد بأنها تهتم وتسمعني .وأعترف بأشياء لم أفعلها لكي أثبت لها أنها ليست كغيرها ومن غبائي كنت أحكي كل قصة بالإسم واليوم والتاريخ والمكان .لم أكن أعرف أن هذه الحكايات في يوم ما ستكون خنجر تطعني به و دليل إدانة ضدي .
توالت الأيام والليالي ..ولم تقتصر محادثاتنا الهاتفية في الليل فقط ولكني أصبحت أحادثها في كل وقت وأحكي لها كل أحداث يومي وأستشيرها في كل أموري .عرفت عني مالم يعرفه أقرب الناس لي .
وفي يوم وجدتها تطلب مني أنا أبتعد عنها وبكت بكاء شديد جعلني أتحطم من داخلي وشعرت بضيق شديد ..
حاولت الاتصال بها لكي أطمئن عليها ولكنها لم ترد ..
مرت أيام وأسابيع بدون إتصال أو حتي رسالة منها حتي وجدت صديقتها أمامي ف العيادة …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى