‏روح الحياة

هند خضر | سوريا

Artist Pablo AD Arte Azul

تتقاطع أفكاري مع قطعة تطفو فوق درجات الغروب عند انغماسه في كف البحر. تتزاحم ستائر روحي لتغطي بقايا التعب عند سقوط الليل على وجه الصباح .
خلف جفن الغروب عين نائمة ترقّب عودة من تحبّ وأخرى ملأها الدّمع من قسوة من تحبّ .. إنّها عين ذاك الملاك البريء الّذي ألقت به الأيّام والظّروف على رصيف منسيّ في مدينتي الهاربة من تفاصيل الفرح .. مجد فتى بعمر الزّهور رمى به قدره بين براثن العمل المأجور في سنّ مبكر جدّاً، في هذا الوقت يُفترض أن يكون مثل غيره من أبناء جيله يحمل حقيبةً ويذهب إلى مدرسته ليتعلّم القراءة والكتابة ،ولكن للأسف انفصال والديه عن بعضهما أوصله إلى ما هو عليه الآن .. شارع فارغ من كل شيء إلا من آثار خطوات ذاك الغلام الّذي التقيت به ذات مساء ،كانت عقارب السّاعة تشير إلى الثّامنة ،حدّثت نفسي :يا إلهي ما الّذي يفعله هذا الولد في مثل هذه السّاعة ولماذا اتّخذ من الرّصيف مكاناً ليجلس عليه ويتناول قطعة من البسكويت قام بشرائها من الحانوت المجاور؟ اقتربت منه قليلاً ،ارتسمت على شفاهي ابتسامة عساها تصل إلى قلبه فيعانقه الأمان .. رفع رأسه ونظر لي وفي عينيه تقطن براءة الطّفولة ،بشرته سمراء لفحتها حرارة الشّمس دون رحمة ،على يديه تبدو آثار بقع سوداء نتيجة عمله في مكان لتصليح الدّرّاجات النّاريّة .. قلت له :ما هو اسمك ؟
اسمي مجد …..
دار رأسه بعدها إلى اتّجاه آخر وكأنّه يقول أرجوك لا تسأليني عن شيء آخر ..
ماذا تفعل هنا في هذا الوقت ؟ قال بصوت خافت وباختصار شديد الآن انتهيت من عملي … ..
لماذا لم تذهب إلى المنزل بعد ؟ مجد :أنتظر ربّ العمل ريثما يأتي ليأخذني إلى منزلي حيث أسكن مع أمّي ….
تولّدت في داخلي رغبة كبيرة لمعرفة تلك الظّروف القاهرة الّتي ألقت بفتىً كهذا خارج السّرب و هو مَن يُعتبر روحاً للحياة ومصدراً لبهجتها ولكنّني لم أرغب بطرح المزيد من الأسئلة عليه كي لا تصحو آلامه في الظّلام من سباتها المؤقّت فاكتفيت بسؤاله هل تحتاج للمساعدة ؟
مجد :كلّا ..شكراً لكِ …
بهذه الكلمات المختصرة انتهى حديثي معه ولكنّ صدى صوته رافقني عندما عدتُ أدراجي إلى البيت ،في عينيّ دمعة سالت حزناً عليه و في رأسي تدور مئة فكرة وألف سؤال حول أصابع الريح الزاحفة على خضرة قلب مجد …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى