حكايا من القرايا.. ” ديك مهستر “

عمر عبد الرحمن نمر| فلسطين

قوم… قوم… يا بو العبد… وين صارت الدنيا… ديك دار السوداني نزلن زلاطيمو وهو يصيح… قوم يا زلمي… الصباح رباح، ومن سرى باع واشترى، خللينا نلحق حالنا نخلّص حراث قبل السما تنقط… قوم توضا وصلّ… واستغفر ربك… واشرب قهوتك… وهاي عملت لك لقمة عشان تكسر الصفرا… وزوّادة خذها معك…

استهدي بالله يا أم العبد… الدنيا بعدها نص ليل… وما عليك من ديك دار السوداني، هذا ديك مهستر، يؤذّن بلا موعد صلاة… آه لو رحت جبت الساعة من عند أبو زلابية مصلح الساعات… كان الواحد تنور… وعرف شو الوقت… ذاكرة يوم صحّانا ديك دار السوداني، وصلينا وأكلنا، وجهزنا عود الحراث والحمارة،  ومدّينا ع الأرض… وعند بير سراع لاقوني (المناعيل)… وصاحوا ودشعوا عليّ، وصاروا يحققوا معي، ولما خلصوا قالوا لي (روخ ع بيتا) الساعة نص ليل… ورجعت… ويوم سرحت والدنيا كحل اسود… وتعرقلت الحمارة بقرمية مشمشة أبو الحكم… ونزلت الحزينة بالأربعة… وعليها العدة…

وبتقولي لي ديك دار السوداني… الله ريتني أشوفه فوق قور المفتول يا رب…

يا رجّال، قوم… من سرى باع واشترى… كثر النوم بورّث الفقر… وقلة الزمام… وبظيّع ملحة الرجولية من الزلمة…

لا حول ولا قوة إلا بالله… قام أبو العبد، استغفر، تجبّد… توضأ، صلى واستغفر… أكل ما قسم الله له، شرب القهوة… نشل ركوتيْ ماء من البئر، أسقى دابته، ألبسها حلسها، رتّب عود الحراثة فوق الحلس، ووضع الشرعة والإكليل والتشردانة في عينيْ الخرج… حمل سفرطاسه، وبراد الشاي، وأركنهما في عين الخرج… نظر في السماء… لم ير نجماً أو قمراً… سماء ملبدة بالغيوم السوداء… قال لزوجته: الله العليم ما يصير اليوم حراث… شايفه الدنيا، اليوم بتجيب السمك من البحر، قالت الزوجة: يا الله… يا الله بلا حجج… بلا كسل… غيرك صار حارث معناتين وثلاثة، وانت بعدك بأرظك  مش متحرك… قال: يا قاصد… يا كريم… وتحركت الحياة…

قطع بيادر الصوانة، وبدأت السماء بنقطها… واتجه غرباً بين الأشجار، ويا دوب وصل مدحانية أبو نوارة… إلا الكريم بقول: خذوا… وصارت النقطة والمزراب واحد… لا مغارة، ولا شقراق يقدر يتقي فيه… ووقفت الحمارة والشميط في وجهها، ولم تعد تقوى على المشي… والحزين صار ينقط من ساسه لراسه… أدار الحمارة إلى الخلف وعاد إلى البيت… مليح اللي رجعت… قلبي انشغل عليك، قالت أم العبد، وأخذت منه الحمارة وما عليها، أنزلت العدة، وربطتها على مذودها… وأهالت عليها من الشعير… أما هو، فبدّل ملابسه، وفتح براد الشاي، وشرب الكاس الأول… شاركته أم العبد في كاس الشاي الثاني… صوت من خلل البرق والرعد والمطر… الله أكبر… الله أكبر… نظر في وجهها، فبهتت من دهشتها… يؤذن  لصلاة الفجر… كاينين مقمورين… كله منشان تصدقي هالمهستر… ديك دار السوداني… صلى مرة أخرى… وأخذته غفوة… استيقظ… وأفطر مرة أخرى، وهو يقول: صاح ديك دار السوداني… الله يلعن السوداني وما خلف… عمره ما قام شفّة عن شفّة، وحكى كلمة صدق…