قراءة في قصيدة الشاعر محمد بركات

الأستاذ الشيخ طاهر العلواني / مصر 

أحببت (ع)ينًا فاشتكت (أسماء)
وتضرجت بدموعها (إسراء)

وتقول (سلوى) في ذهول ذاهل:
ما بالنا في حبه أُسَراءُ؟

ونراه غير مبادر بغرامنا
وكأنه مَلِك ونحن إماء

وبأُذْن (ليلى) قد أَسرَّتْ (عَزّةٌ):
ما لي تُمزَّق منيَ الأعضاءُ؟!

باءت بذل بعد عز (عَزَّةٌ)
وبحسنها لم تَهْنَ قطُّ (هناءُ)

وتمارضت (لبنى) وأضنى جسمَها
تفكيرُها وتضاءلت (هيفاء)

وتشيح عني إن رأتني (نسمة)
وتلوكني بلسانها (شيماء)

عبثا تريني (ابتسام) تجلدا
وبنارها تتحرق الأحشاء

وتعض من غيظ أناملها (رؤى)
وكذا (هدى) من حظها تستاء

وبكفها ضربت (أماني) صدرها
وبشهقة قضت الحياة (دعاء)

و(عزيزة) لم تلق بعدي عِزة
كلٌّ مضين وظلت الأسماءُ

فإذا رأين محبتي.. أنكرتها
حظي هوى وحظوظهن هواء

كل تعثر حظهن تعثرا
أنت الوحيدة في الهوى استثناء

وسألن أنفسهن بعد تحير:
أهي الأنوثة ليس بعدُ نساءُ؟!

فلم المحبة كلها من حظها
ولم انطوينا في الهوى ونُساءُ؟!

وضربن كفا فوق كف دهشة
وندبن حظا ليس فيه رجاء

لما هويتك صرن قَشًّا يابسًا
وفعلتُ ما قد تفعل الأنواء

إن الجميلة من أفوز بقلبها
وجَميعُهن بُعَيدَ ذاك سواءُ

فجميعهن على يقين أنه
لم تَهوَ من لم يهوها الشعراءُ

كتب الأديب الشاعر محمد بركات قصيدة يمدح فيها (عـ)ينه، ذهب به الخيال فيها كل مذهب، وحلّاها بصنوف الحلي وكساها بدائع الوشي، إلى أن قال:

فجميعهن على يقين أنه**لم تَهوَ من لم يهوها الشعراءُ.

فانظر إلى نظم البيت وما حواه من فصاحة حازت ماء الشعر ورونقه، وأعلى نمط وآنقَه؛ فتأمل العموم في أول البيت، وما له من الوضاءة في إنزال الحكم بالجميع من دون استثناء، ثم قوله: أنّه، وما في ضمير الأمر من الفخامة والوجاهة؛ فلا يؤتى به إلا في أمر أريد التنويه به قبل ذكره، ولم يقل: أن التي لم يهوها الشعراء لم تعرف الهوى. وثالثة النكت حذفه مفعول تهو، وإجراؤه إياه مُجرى اللازم، وهذا لا يخلو من أن يكون أراد أنها لم تعرف أحدا وقف على الشيء الذي به يكون الهوى فتكون هي من أهله، أو أنها لم تعرف ذاك الشيء من حيث كان الشعراء هم القادرين على إبراز إبريز الهوى في الصورة التي يخجل لها طراز الهوى، وتخجل منها كل محبوبة، حتى كأن لسان حالها يقول: كيف رآني سورةَ الملاحة وشمسا وقمرا وماء حياة، وغيري لا يساوي شيئا، وما بلغت من الحسن ذاك الذي صوّره بما مثله آمن عليه البشر بأن للحسن صورة في الذهن هي طراز تلك المحبوبة، وغيرها ليست منه في شيء وإن بلغت أو جاوزتْ؛ ألا ترى قوله قبل هذا البيت:

إن الجميلة من أفوز بقلبها**وجميعهن بُعَيْدَ ذاك سواءُ.

وقوله قبله:

لمّا هويتُك صرنَ قشًّا يابسًا**

يصدّق ذاك؟ وتأمل قوله: من أفوز بقلبها، فكأنه – والله أعلم – قلَب، وكان الأصل: من تفوز بقلبي؛ كأنها لما وصفها بتلك الأوصاف وخلع عليها صنوف المحاسن تعاظم أمرُها في نفسها، وصارت تكثر التدلل عليه، وتقرب تارة وتبعد أخريات، إمعانا في تشويقه؛ فإنه لم يعد يرى غيرها ذاتَ حسن وملاحة.

أو أن يكون حذفه لأن ذكره يفسد المعنى؛ لأنه لم يقصد إلى شيء إلا إثبات نفي الفعل دون تعرض لمفعول؛ كقوله تعالى “ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان” إلى قوله “فسقى لهما”؛ لأن الثناء توجه عل المرأتين من أجل حصول الذود منهما عند حصول السقي من الرجال، وقول البحتري:

شجو حسّاده وغيظ عداه**أن يبصر مُبصر ويسمع واع.

وهذا البيت حقيق بأن يقع عليه الاختيار، وإن كانت القصيدة كلها حائزة من البهاء ألمعه، مع جودة السبك وعلوّ المعنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى