عَنْدلَ الفِينيقَ
فايز حميدي | السويد
-١-
أيّها البحرُ !
أيّها الغامضُ الأزرقَ !
يا ذَاكرةً وَتاريخاً وَأفاقاً وَمداً وَجزراً
أيّها الشّفاف ، يا سيدَ الموجِ
يا دَمعاً وَمرآةً وَرملاً وَملحاً وَشطآنَ
يا بحرُ البِداياتَ
في أحشائِكَ
تتوسدُ عتمةَ السِّر الدَفين
والقمرُ يَحنو على المَوجِ
بزنابقٍ من ضوءٍ
كصباحٍ وَديعٍ
تُعبدُ في المَدى مراياكَ الصَقيلة
وزُرقتكَ المُتقدةِ
بنزقٍ تَحشدُ أمواجكَ النَافرةَ
تارةً تَصفو وَتمرحُ
وَأخرى ثائرٌ تَهدرُ
مِنكَ يَصعدُ الغيثُ
وفي جَنباتِكَ اللآلئُّ تَرقدُ
-٢-
يا بحرُ
العمرُ يَمضي
بأصيافهِ القائظةُ وأشتائهِ الباردةُ
والدربُ مَلَّ مرارةَ الأحزانِ
بنكهةِ الخيبةِ والآسى جِئتُكَ شاكياً
كَعصفورٍ كَميد
كظلالٍ تتواثبُ في سُعارٍ
في ذلك الصمتُ الخَصيب
أبصرتُ مَلمحُكِ
يا شامةَ الدُّنيافي رُؤاي
وقد تَوهجَ في الدُّجى
في ظلالِ الغُوطَتينِ
لوزاً ودراقاً وزيتوناً وَتين
وَجُرحُكِ يا دِمشّقُ يُبحرُ في دَمي
كأجنحةِ النوارسُ في المَدى
كوجهِ زَكَريا* الحَزين
يا بَحرُ
أيُّها الغَامضُ الكُحليَّ
ناءَ بِنا ثِقلُّ الزَمانُ
قَهراً
وَأذلالاً
وَظلماً
غَارساً نَصلِه في نِواةِ اليَقين
في الحُلمِ والزَّهرِ والبيدَر
والمَدى الغَامضُ بينَ الحَقيقةِ والوَهم
والليلُ يتمرغُ في أنحاءِ المَدى
تُخاطِفُنا المَنافي وَغياهبَ الدُّجى
في وحشةٍ واكتئابٍ وعالمٌ من ضَبابِ
والظُّلمة الصفراءَ شبحٌ يُصارعُ مُهجَتي
والضُحى المَاجنُ يَرسمُ الأفقَ بلون الضّياع.
-٣-
يا عَنْدَل الفِينيق ، انهضْ من رمَادِك
مع حُبابِ الفجرِ وأطرافَ الصَباحِ
واملأَ تُخومَ الكونِ بالضياءِ والنَدى
وَبنثارِ غيمةٍ عابرةٍ
امسحْ على الجُرحِ النَدي
وَدغدِغَ الوردَ الجَريح
كعريشةٍ يُجاذِبُها نسيمُ الصَّباح
واهدمْ جِدارَ الخوفَ وبذرةَ اليأسِ
وامنحْ الكونَ السّنابلَ والسّنا ووردةَ الأملِ
وامْضي بِنا إلى سريرِ القّمرِ الوَليد
مَتى ، يا تُرى ، يغيبُ الليلُ
ويزغردُ عالياً بَرَدى
والفجرُ يجمعُ شملَ الضِّياء؟!!
….
زكريا الزيدي: أحد أبطال عملية نفق الحرية في سجن جلبوع.