تَرانيمُ الغِيابْ

وسام عبد الحق العاني | شاعر عراقي مقيم في مسقط

في مَفازاتِ الغيابْ

كلما أخلعُ نعليَّ

لكيْ أمشي إليْ

أو توضأتُ بما خبّأتُ من دمعِ السَحابْ

لِأُصلي – قبلَ خاتمتي – عَليّْ

ترفضُ الأرضُ دخولي

وتقول

لستَ من هذا الترابْ

ثم أمضي

هائماً ابحثُ عنْ سقفٍ لِروحي

منْ رعودِ الذكرياتْ

أرتمي فوقَ ركامِ الأغنياتْ

صَدِئاً مثلَ مواويلِ الحنينِ العابرةْ

ينقشُ الحزنُ على جدرانِ روحي: لا سلامْ

يلهثُ النسيانُ خلفي مثلَ ريحٍ فاجرةْ

 (أيُها المنسلُّ منْ طينِ العراقْ

كيفَ للساعاتِ أنْ تُحصي مواقيتَ الفراقْ)

ثم يمضي

تاركاً سكّينَ بوحٍ في شرايينِ الكلامْ

بينما شوقٌ غزيرٌ في أقاصي الذاكرةْ

 

أينَ بَيتي

أينَ أحضانُ الدروبْ

زحمةُ الحاراتِ في وقتِ الغروبْ

ياسمينٌ يتدلّى فوقَ أسوارِ البيوتْ

وأقاصيصُ غرامٍ لا تموتْ

أينَ أجنحةُ الضياءْ

ونهارٌ أشرقتْ ملأَ يَديهِ الأمنياتْ

أينَ أُمّي

حضنُها المفخورُ من طينِ الفراتْ

كفُّها الممتدُّ فوقي كَسماءٍ من دُعاءْ

والتراتيلُ التي في حرزِها كُنّا نَنامْ

(دِللِّول .. يالولد يبني .. دِللِّول)

يا أبي طالَ غيابي

فَمتى سوفَ أعودْ

إنني طفلٌ مريضْ

في فراشِ الحزنِ مَلَّ الانتظارْ

يرْقُبُ الأولادَ تَلهو في الجِوارْ

بينما أوجاعُهُ تَتلو عليهِ الفاتحهْ

أينَ آياتُ شفاءٍ كنت تَتلوها على قلبي الصغيرْ

تاركاً تحتَ فراشي

بعضَ حَلوى وحَكايا مُفرحهْ

 

صرتُ أدري يا أبي

بعدما أصبحتُ يوماً والِداً

أنك الحاني الذي يحملُنا نحوَ السريرْ

حينما نَغفي بأطرافِ المكانْ

إنني طفلٌ قديمْ

طاعنٌ في السنِّ يرتابُ الكبارْ

أرتجي وجهكَ ما بين الوجوهْ

مُمْسِكاً كفّي على مرِّ الخُطوبْ

حينَما نَجتازُ يا أبتي الدروبْ

آهِ منْ تلكَ الخُطوبْ

آهِ منْ تلكَ الحُروبْ

ضَيعتْنا في مفازاتِ اغترابْ

نشربُ الأوهامَ منْ كَفِّ العذابْ

هذهِ أطفالُنا يا والِدي

تحرثُ الأمواجَ في بحرٍ يَبابْ

يُولَدُ الأطفالُ في هذا القَدَرْ

محضَ اسْمٍ في سِجلاتِ الغيابْ

وجوازاتِ السَفرْ

حينَما كُنّا صِغاراً

كانَ كلُّ الحَي بيتاً

بينَما أضحى صغاري عالقونْ

خلفَ أسوارِ المطارْ

كلما أتلو عليهم من ترانيمِ الغياب:

(سلميلي يا طيور الطايرة .. سلميلي يا شمسنة الدايرة)

يسألوني

كيفَ يبدو يا أبي وجهَ العراقْ؟

حينَها تطفو على جُرفِ الشفاهْ

حَسرةٌ منْ جمرِها يأتي الجوابْ:

مثلَ وجهي يا صغارْ

مثلَ وجهي يا صغارْ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى