المشهد بين ملحمة الأسرى وخطاب عباس في الأمم المتحدة
بقلم: د. سبأ جرار
حين تتابع الأحداث في أيامنا المفتوحة على القهر، والمقيدة بالغضب الصامت الفاقدة لمعنى الزمن، تشعر أن فقد عقرب الساعات والدقائق قد دُمِجا، فأصبحت مراحلنا كلها عقرب ثوانٍ متمثل في رصاصات تستقر في أجزاء الحقيقة فتقتلها،لتصبح الأحداث أكثر من الزمن نفق، واغتيال وخطابات وأعراس وولادات؛ حينها يتدخل العقل فيمارس لعبته الفطرية، ويُغيّب الأحداث الكبرى، فهو يسعى للبقاء والتفكير بالأمور السطحية التي تغني من جوع وتسحق الضمير …..
أول المشهد ملحمة الستة، ومعجزة التمرد على الخوف والقبول، وإيمان بأن الحق هو الله، وإن الله هو ملجئهم… خرجوا من نفق اتسع لعقيدتهم وموه حركتهم فعانقوا الحرية للبعض الوقت، وواجهوا حقيقة الأيام بأننا أشلاء لمعاني تركوها هناك في زنازينهم، فلم يتبقى لنا جرأة ولا نخوة ولا قرار بانهم صلاح الدين العائد، وأردناهم باللاوعي، حُلمٌ ثقيل لابد أن نستيقظ منه،فعادوا حيث حطت بهم الرواية.
لا فرق بالنهايات المتعددة بين روايات الستة، لأن النتيجة واحدة العودة للنفق، مورست البطولات وتوالت الانتصارات، لكن تعرت الحقيقة أمام الواقع المؤلم، فأدركوا حينها أن النفق وحده لا يكفي، وأن الشمس ما زالت تختبئ تحت أقنعة الخيانة والخوف المتعددة الأشكال …….
وبدأ المشهد الثاني خطاب حلق في فضاءات يبدو أننا نجهلها، أو دُرْبْنَا على جهلها، خطاب حاول أن يقف على أرض لا نحيا فيها،… خاطب منطق عجزنا عن إدراكه، لأن الفصل بين القيادة والشعب، والتباعد بين الأحلام والإمكانيات، تخلق فضاءات جديدة من الغباء والرمادية والأهم اللامبالاة لتبلغ حالة من الانفصال القائل “لكم دينكم ولي دين”
وحين حاول بعض الواعين الفهم، تاهوا لأنهم فقدوا القدرة على الربط والتحليل، واعتادوا على الحفظ والمعرفة، وهذا في علم التعلم، ارتداد للمراحل الدنيا في التفكير والنضج، والتحليل و الفهم يحتاج لحقائق تفسر الماضي ورؤية توضح المستقبل، وهذا في واقعنا أشبه بلعبة المتاهات، لأن الماضي والمستقبل أصبح مرهونا بالتنظيمات والمراكز والتعيينات، ولم تعد رأس القيادة مرآة للكل، بل هي جزء يحاول التمكن والسيطرة، ويرفض التنازل لاستيعاب الشعب
وهروبا من مشهد الخطاب، أو قسرا تم تحويلنا لقسوة المشهد، بتغير وقح حول إعلان العدو أن الاغتيال هو كل ما نملك، حيث بورك من الأطراف الدولية والإقليمية، وأخشى من بعض المحلية، وما يدفعني لهذا الجزم أنه لم نعد نحظى بالبيانات الهزيلة للاستنكار والتنديد، بل والحمد لله نحظى بالترتيب الثاني أو العاشر من أهمية الأخبار في الإذاعات أو الشريط الإخباري؛ فأصبح المشهد هو الاغتيال الممنهج والمبرر ، وحيث إننا نحن المشاهدين ونحن المنتظرين لاغتيالنا، علينا أن ندرك أن ما يجري لم يطال أحمد وأسامة وعرس دينا وعيد غزل الذي يرغب بإضاءة الشمعة، وأمهات أقمن خياما في الأمس بين القبور بل هو اغتيال للفرح والمستقبل والشباب، وإنهاء لرواية رجال النفق، وشباب الجبل، ووعد الله للذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه
وإن الاغتيال الجانب الأسود للمشهد الحالي المتمثل بشهداء، تقدم أجسادها قرابين على مذبح الاحتلال والاتفاقيات المشبوهة، بل والشرق الأوسط الجديد، بمقدمات تجسد تفاصيل الحياة اليومية في فلسطين، حيث مهد لها كيسنجر منذ ردح طويل من الزمن، وترامب بعد حين، لتصنع من الشباب مشاريع شهداء، شباب استنفدت أحلامهم سوداوية الحياة،وأنارت قلوبهم عقيدة السماء التي تمكنوا من اللجوء إليها…..
ليبقى المشهد حياة يومية،تفاصيل واهمة وآمال بالعيش أو حتى بالتنفس، ولو مع الكورونا التي لم تمنحنا حقنا بالانتشار، وإسدال الستار عن كل المشاهد، فبقينا معلقين بخيوط من نار وأصابع مشبوهة توجهنا كالدمى نحو المآتم، ويبقى المشهد متواصلا.