قراءة في رواية: ” احترقت لتضيئ “، للكاتبة ناديا الخيّاط
بقلم: رفيقة عثمان
أصدرت الأسيرة المُحرّرة ناديا الخطيب، كتابًا جديدًا، نُشر بدعم من وزارة الثّقافة الفلسطينيّة.
يُصنّف هذا الكتاب تحت عنوان السّيرة الذّاتيّة؛ لحياة الكاتبة أثناء أسرها في سجون الاحتلال، واحتوت الرواية على مئة وإثنين وثمانين صفحة.
سردت الكاتبة سيرتها الذّاتيّة بأسلوب سردي بلغة الراوي (أنا)، وضّحت فيها طريقة أسرها، ومعاملتها غير الإنسانيّة أثناء اعتقالها، والتحقيق معها؛ برأيي هذه السّيرة ليست سيرة ذاتيّة فقط، بل اعتبرها سيرة غيريّة وتعميمها على لكافّة النساء الفلسطينيّات المناضلات داخل السّجون الإسرائيليّة.
كشفت الكاتبة عن المصاعب والعراقيل التي واجهتها وواجهت النساء الأسيرات، من ضرب، وحرمان، وحجز في الزنازين الانفراديّة، والشّبح، ومنع زيارات الأهل، وتلقّي الإهانات، والتعذيب والتعينف الجسدي واللّفظي، كذلك التعرّض لسوء التّغذية، وحرمانهن من أبسط الحقوق الإنسانيّة.
تبدو لي كل ما يتعرّض له الأسير الذكر تتعرّض له النساء الأسيرات؛ لكن ما يُميّز هذه السيرة الذّاتية لهذا الكتاب، بأنّها تصف حالات خصوصيّة تخصّ المرأة بشكل خاص؛ مثل: كيفيّة التعامل مع الأسيرة أثناء الحيض وحرمانها من توفير الأدوات الصحيّة اللاّزمة لها، كذلك بالنسبة للمرأة الحامل وعدم مراعاة وضعها الخاص وحاجتها للرعاية الخاصّة، من تغذية والاهتمام يصحة المرأة الحامل، والحاجة إلى والرّاحة والفحوصات العلاجات اللّازمة لها؛ كما وصفته الكاتبة بخصوص إحدى الأسيرات والتي وضعت مولودتها في السّجن.
أظهرت الكاتبة ناديا الخطيب، قوّة الإرادة والصّمود في الدّفاع عن النفس وعن إيمانها بعدالة قضيّتها، أمام سلسلة مراحل التعذيب داخل الزنزانة وثباتها مهما كانت وسائل التّعذيب والتّخويف؛ لإضعاف قوّة التركيز والتّفكير قبل جلسات التّحقيق؛ كل ذلك زادها إصرارًا وثباتًا، وفي كلّ محاولة للإذلال لم تُظهر فيها ضعفها وخوفها، بل بالعكس، حوّلت ما واجهته من صعاب إلى قوّة إيجابيّة لصالحها مثلًا:عندما كانت السّجّانة تحرسها، اقنعت ناديا نفسها لأنّها ( أسيرة) فهي إنسانة مهمّة، لذا عيّنوا السّجّانة لحِراستها، ممّا رفع من معنوياتها وعدم إنكسارها أمام المحقّقين؛ بل السّجّانة هي التي تعاني وهي نفسها المسجونة.! كذلك عندما أمسكت السّجّانة يد الأسيرة ناديا، إلّا أن ناديا صرّحت بأن الضغط على يدها، شفاها تمامًا ممّا كانت تعانيه من آلام عانت منها بيدها من قبل. هنالك مواقف عديدة حوّلتها الأسيرة لصالحها، ودعم معنويّاتها من جديد.
سُجنت ناديا الخطيب من سكّان رام الله ؛ لاتّهامها بالانتماء لخليّة تنظيميّة؛ ولانخراطها في العمل الوطني، مع مجموعة من الأصدقاء والصّديقات، وكان الحكم عليها مؤبّدين وعشرين عامًا، بتاريخ 1979
وأفرج عنها في صفقة تّبادل الأسرى بتاريخ 1983.
صنعت ناديا وزميلاتها بالأسر، من الألم أملًا لا نظير له؛ حيث تكيّفت مع الأوضاع المعيشيّة الصّعبة، وخلق معنويات قويّة وصمود، للعيش في كرامة وعزّة نفس، وجعلت من السّجن مدرسة واكتسابًالخبرات جديدة في كافة الحياتيّة: الثقافيّةوالتّعليميّة، تعلّمت اللغة العبريّة، وعلّمت فتيات علوم مختلفة، وعلّمتونساء أميَّات أيضًا، عقدت جلسات تثقيفيّة وتنظيميّة، وقراءة كتب مختلفة المواضيع منها السياسيّة الروايات وغيره ومن ثمّ مناقشتها.
نجحت ناديا وزميلاتها في توظيف الصّعوبات والعقبات داخل السّجن،وتحويله إلى مركز علم ومعرفة بل مدرسة ثقافيّة واجتماعيّة، واكتساب خبرات حياتيّة جمّة؛ لتجنّب الإنكسار والضعف، أمام العدو الّذي سعى ويسعى لإذلالهن وكسر صمودهن.
ظهر التّعاون الجماعي بين الأسيرات مع بعضهن، ممّا عزّز قدراتهن على الصّمود؛ مثل: تعاونهن في توزيع مصروف “الكانتين” على بعض عندما حُرم بعضهن منه؛ كذلك عندما قمن بالإضراب؛ للسّعي نحو تطوير خدمات السّجن والمالبة في حقوقهن الإنسانيّة، والتضامن مع الأسرء الآخرين. بالإضافة لذلك قمن بصناعة الأكل الجماعي بالسّر.
خصّصت الكاتبة قسمًا من كتابها حول ولادة إحدى الأسيرات، ومعاناتها أثناء الحمل، حتّى وضعت طفلة وأستها ثائرة، ترعرعت داخل السّجن، وكانت ملاذًا للأسيرات، وممارسة الأمومة معها، بالتسلية وصناعة الألعاب البدائيّة لها، إلى أن تم تسريحها من السّجن عندما صار عمرها سنتين. ودتع ثائرة كان صعيبًا جدّا في نفوس الأسيرات وأمّها.
في نهاية الرواية السيريّة ذكرت الراوية طريقة الإفراج عنها، ونفيها خارج فلسطين، بطائرة خاصّة مع أسيرات وأسرى آخرين؛ دون ذكر الدّولة التي تمّ نفيهم إليه واضطّرارها للتوقيع على الموافقة بالنفي؛ وتمّ الترتيب لذلك بواسطة الصّليب الأحمر.
خلاصة القول: تعتبر هذه السيرة، فنًّا من فنون النثر الأدبي. من قراءة السّيرة الذَاتيّة للأسيرة المُحرّرة ناديا، كتبت ونشرت هذه السّيرة بعد عشرين عامًا من تحريرهامن الأسر، ربّما لو قامت بالكتابة بعد الإفراج مباشرةً؛لحصلنا على تفاصيل أكثر ممّا سجّلته بالكتاب.
برأيي هذه السّيرة تمثّل توثيقًا تأريخيًّا وشاهدًا عن حياة النساء الفلسطينيّات الاسيرات بشكلٍ خاص، وقلّما تتواجد كتابات تصف الحياة الإنسانيّة الخاصّة للنساء داخل الأسر.
انصح الكاتبة بمتابعة كتابة السّيرة الذّاتيّة في الجزء الثّاني، من حيث انتهت عندما تمّ نفيها خارج البلاد إلى مكان مجهول.
تساؤلات عديدة تساور ذهن القارئ: إلى أين نُفيت ناديا؟ أي بلد استقبلها، كيف تكيّفت مع النفي؟ متى عادت إلى فلسطين؟ كيف؟ هذه الفترة تستحق من الكاتبة العناية وتسجيلها؛ لإرواء فضول القرّاء بالمعرفة وإكمال الرواية السيريّة.