تحية لكل معلم ما زال قابضا على الجمر

محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري

في زاوية بعيدة، وفي ركن قصي .. يقف هذا الإنسان منفصما عن صخب بدء العام الدراسي رغم انغماسه في واقعه بكل تفاصيله المضحكة المبكية؛ هذه التفاصيل التي باتت تقض مضاجع البسطاء وترهق أيامهم؛ وأما المترفون فهم عنها وعن همومنا في شغل، بما يدور في صخب الجونة، وصيحات الموضات التي ما فتأوا يستفزون بها الكادحين والمهمومين ..

وأما على المستوى الإدري بكل أطيافه العليا والدنيا، فهذه الحال من التخبط والارتجال والانفرادية والانعزال عن واقع العملية التعليمية وكأنها تصيغ نظما لمجتمعات افتراضية لم تزل في وحي الخيال وتقديرات الغيب قد تكون او لا تكون.!!

يقف هذا المعلم المنعزل بقناعاته وثوابته وعقيدته التي لا يماري فيها، يقف قابضا على الجمر، واطئا على شوك القتاد، مرابطا على ثغر الإخلاص وإن انفضوا من حوله وتركوه قائما، لا يلوي على شيء غير هذه القناعة: بأنه مهما كان الصخب والتخبط إلا أنه منوط به واجب هو: (العمل) ولا شيء غير العمل، وتقديم مادته (العلمية) قبل الدقيقة الأولى وحتى الدقيقة الأخيرة.

لا يأنف أن يعطي الحق لأبنائه مستوفيا، وأن يأخذ حقه ولو مخسرا.. وقد جعل الله من مردود ذلك في نفسه سعادة يجدها في قلبه، وبركة في أهله، وروحا تملأ عليه الكون إن زهد في مثل عمله الزاهدون المنتفعون المتربحون.

لا يثقله أن يعطي أكثر مما يأخذ، بل لا يقف لينظر ما يأخذ، ولا يرمي بقصوره على النظم والتخبط الإداري، ولا يعلق تراجعه وتخاذله على ما تسببه الحالة المجتمعية والاقتصادية، ولا تصرفه أعباءه الأسرية والاقتصادية ــ وقد تشغل الحليم ــ لا تصرفه عن واجبه إلا قهرا.

فهي قناعاته رغم هذا الصخب الذي يخطف الأنظار في السناتر والخاص،  والشغل الذي يطير بالألباب؛ وكل حريص على أن يردي خصمه وقد حال التنافس بين الفرقاء إلى ساحة من الحرب والكسب والانتفاع .. فمن استئثار القيادة وضنها بالكتب المدرسية على أبنائنا، ومن ترقب أولياء الأمور وضنهم بما لديهم بعد تراجع مستوى الثقة بينهم وبين القائمين المؤتمنين على الأمر.

هذه القناعة ربما تكون هي أول خطوة على طريق الإصلاح التعليمي وإن بدت في عيون البعض زاهدة بسيطة .. لكن كل طريق للإصلاح لابد له من بداية .. وهذه البداية لا أظنها إلا أن تكون: (عليك بنفسك.. إبدأ بنفسك)!! وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال “أدوا الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم “.

غير أنه للأسف الشديد أصبح هذا النموذج كالشعرة البيضاء في الثور الأسود؛ وقد ذكرنا بعهد آباء لنا قضوا وقد كانوا على هذا العهد من العمل والإخلاص لا يلوون على منفعة، ولا يلتفتون إلى كنز ينفعهم مع الأيام، يأخذون بحجز أبنائهم إلى التعلم رغم تفلت الكثير، تكاد تذهب أنفسهم عليهم حسرات؛ وقد جعل الله لهم في الآخرين ذكرا، وعنده في الأخرة إن شاء الله لأجرا.

لم ولن تعدم هذه البلاد المخلصين من أبنائها ومعلميها ومربيها، وإن عزوا في الحاضر، وعز بهم الزمان .. لكنه إن كانت نهضة أو صحوة في هذه البلاد فلن تكون إلا على أيدي هؤلاء المتفردين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى