البحث عن الذات
محمد زهدي شاهين | القدس العربية المحتلة
عندما يكون الإنسان واعياً ومدركاً لما يحدث من حوله في بيئة معينة يتواجد فيها ويتفاعل من خلالها مع الآخرين في العمل أو في فريق رياضي مثلاً، ولا يجد هذا الشخص ذاته في هذا الموقع أو ذاك المكان. لا بد له إذاً من البحث عن ذاته من خلال بيئة وحيز يتواءم ويتناغم معها ليجد ذاته من خلالها، فالإنسان يسعى دوماً لتحقيق طموح ما.
قد يكون عدم ايجاد ذاته في ذلك المحيط عائد لعدم انسجامه مع هذا الحال، ومن باب أخر قد يكون باستطاعة هذا الشخص التأقلم مع هذا الواقع إلى درجة كبيرة والتعاطي معه بشكل ايجابي، إلا أنه وبذات الوقت لا يجد ذاته هناك مما يجعله يشعر بالنقص في غالب الأمر و بعدم الرضى. سيكون عدم رضاه هذا محفزاً داخلياً من اجل البدء بمهمة البحث عن ذاته.
نحن على قناعة تامة بأنه لا يوجد إنسان عاقل غير فاقد الأهلية نستطيع أن نطلق عليه أو نصفة بصفة الغباء المطلق كون الغباء مفهوم نسبي. هذا الإنسان على ما اظن لم يكتشف ذاته بعد، وقد يجدها في جانب معين في مكان يتكيف معه و يرتئيه بأنه مناسب له. و قد يصل فيه ويبحر إلى حد الابداع. وهناك امثلة كثيرة على هذا الحديث مثل بنيامين كارسون الذي وصف بالتلميذ الغبي والكسول، و توماس إديسون الذي تم وصفه بالفاسد… وكم منا شعر بالغباء في احد المواقف!. وقد يكون الغباء داء بالإمكان الشفاء منه.
اكتب هذه الكلمات في حين يختلج صدري باللوعة والألم من عدم ايجاد ذاتي لغاية الأن، فأنا اشعر بإرهاصات البحث عن الذات وهي ارهاصات موجعة.
اتساءل دوماً هل ذاتي مكانها ورشة بناء مثلاً وهي ملاذي الأخير يا ترى، أم في مكان أخر!.
يمتد بصري احياناً إلى خلف تلك الاسوار، أسوار قلعتنا طبعاً. فهل يا ترى سأدخل هذه القلعة يوماً ما من مدخلها الرئيس لكي أعود إلى اعماق التاريخ واجلب الحصان الخشبي لكي امتطيه. نعم سأمتطي صهوة هذا الجواد الخشبي بصحبة ألف من أولي البأس الشديد، لأغير مجرى التاريخ لألف عام قادمة. وها قد ارتسمت على وجوهكم ومحياكم ابتسامة خفيفة. ألم أقل لكم أنفاً بأن ارهاصات البحث عن الذات هي ارهاصات موجعة تأخذني إلى حد الهذيان كهذيان دون كيشوت!.
البحث عن ذاتنا الفلسطينية:
في ظل تحلل هويتنا الوطنية مع تقادم الايام وتوالي السنين العجاف بفعل إيادينا من جانب، ومن جانب أخر بفعل اخوتنا المسلمين والعرب الذين تركونا في غياهب الجب ننتظر مصيرنا المجهول هناك وحدنا. نعم وحدنا في ظلمة الجب ورطوبة الاجواء فيه. وهذا الأمر يجب أن يكون محفزاً لنا إذاً ليس للبحث عن الذات هذه المرة بل من اجل العودة إليها كوننا ما نزال لغاية الأن تحت نير الاحتلال، وذاتنا حتماً نجدها في درب الحسين.