لا ضغينة في دين الله، فإن وُجدت فمقهورة مغمورة
د. خضر محجز | فلسطين
والآن دعونا نتأمل لم كان الضعف شراً من وجهة نظر نيتشه:
يقول ما أعيد صياغته ليفهمه الناس:
من المؤكد بين غالب الناس، أنه يكفي أن يجرعك أحدهم جرعة صغيرة من التهجم الشخصي، أو حتى يلمزك بما تراه خبثاً، حتى يتلوث قلبك تُجاهه، فلا تراه إلا من خلال نظرة الدم الحمراء من قلب عينك، فتعمى عن كل إنصاف.
ومن هنا فإن الإنسان الفاعل، المعتدي، الجائر، هو أقرب مائة خطوة إلى العدالة، منك أيها الإنسان الارتكاسي، الذي امتلأ منذ الآن ضغينةً أعمته عن رؤية قيمةِ الأشياء في الأشياء.
فذاك الأول الفاعل الذي هاجمك، لم يفكر أبداً في أن يحطّ من قدر قيمة موقفه، بالخطأ أو التحيّز؛ إذ ابتدأ مهاجماً، وهو يعلم لم هو ابتدأ هكذا، واتخذ قراره بمعزل عن الضغائن.
إنه فاعل أول يعلم ما يريد، ولديه من الدوافع ما يكفي لتبريره.
لهذا لم يكن فقط هو الأقوى والأشجع والأنبل، بل هو ـ إضافة إلى ذلك ـ يملك النظرة الحرة والضمير الأنقى سريرةً.
والعكس صحيح لديك أيها الإنسان الذي غزت قلبه الضغينة، لتعرضه للعدوان.
فمنذ الآن ستصبح معصوماً عن العدالة، وستتصرف تحت ضغط نوازعك، لا وفق ما تمليه العدالة.
إن إنسان الضغينة ـ الذي هو أنت ـ هو أول من اخترع الضمير الشقي.
انتهى كلام نيتشه.
والآن دعونا نتأمل بعض ما قاله دين العدل، لنرى كم نهى الناس أن ترتكس بهم الضغينة إلى الجور، ولنتوقع بعد ذلك الشيء الذي دفع الفيلسوف الملحد، إلى أن يمحض الإسلام إعجاباً لم يمنحه للأديان:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ (المائدة/2)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة/8)
وتأمل هذين النصين من السنّة المطهرة:
1: حين قُتل حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، فقيل إنه صلى الله عليه وسلم وقف عليه وقال: “رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ وَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولاً لِلْخَيْرَاتِ. وَلَوْلَا حُزْنُ مَنْ بَعْدِكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَتْرُكَكَ حَتَّى يَحْشُرَكَ اللَّهُ مِنْ أَرْوَاحٍ شَتَّى. أَمَا وَاللَّهِ عَلَيَّ ذَلِكَ، لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ” فنزل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ (النحل/126). فَكَفَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَمْسَكَ عَنِ الَّذِي أَرَادَ. وَصَبَرَ.
2: بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبدَ اللهِ بْنَ رَواحةَ ليخرص ثمار خيبر على اليهود، فتباكوا عنده وطلبوا ان يخفف عنهم. فقال: يا مَعشَرَ يَهودَ، أنتُم أبغَضُ الخَلْقِ إليَّ، قتَلتُم أنبياءَ اللهِ، وكَذَبتُم على اللهِ، وليس يَحمِلُني بُغْضي إيَّاكم أنْ أَحيفَ عليكم، قد خَرَصتُ عِشرينَ ألْفَ وَسْقٍ من تَمرٍ، فإنْ شِئتُم فلكُم، وإنْ أبَيتُم فلي. قالوا: بهذا قامَتِ السَّمَواتُ والأرضُ.
فيا له من دين، لو كان له رجال!