ومن العشقِ ما قتل!!

خالد رمضان | تربوي مصري – سلطنة عُمان

إن العاشقين لهم قلوبٌ كأفئدةِ الطيرِ تهفو بروحِها لمن تُحبُّ، ولا سلطانَ عليهم سوى سلطانِ العشقِ، فكأنه نارٌ حاميةٌ لا يُطفِئُ لهيبَها لومُ اللائمين، ولا أعينُ الحاسدين؛ فالعاشِقُ يرى الدنيا خواءَ كأنّ على عينيه غِشاوةً، أو كأنّ في أذنيه وقرًا. يقول أحدهم واصفًا حاله مع محبوبتِه:

وهانَ عليّ اللومُ في جنبِ حبِّها
وقولُ الأعادي إنني لخليعُ
أصمٌّ إذا دُعيتُ باسمي وإنني
إذا قيلَ لي يا عبدَها لسميعُ

يصفُ نفسَه بالبلادةِ والّلامبالاةِ في لومِ اللائمين، حتى أنه يقول: أنا لا أسمع اسمي حينما أُنادى، أمّا إذا قِيل لي يا عبدَ فلانة: أجيبُ لسماعي اسمها. وعاشقٌ آخرُ أحبّ فتاةً سمراءَ فأنشد يقول:

أحبُّ لحبّها السودانَ حتى
أحبُّ لحبِّها سودَ الكلابِ

وهذا سيد العاشقين قيس بنُ الملوّح الذي أحب ابنةَ عمّه ليلى العامرية حبًّا أوصله للجنون. كان يكبرُها بخمسةِ أعوامٍ، فكبرت أمام عينيه، وكبر حبُها في قلبه، فأنشد يقول:

تعلّقتُ ليلى وهي غِرٌّ صغيرةٌ
ولم يبدُ للأترابِ من صدرِها حجمُ
صغيرين نرعى البهمَ ألا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبرْ ولم تكبر البُهمُ

إن العاشقين لهم قانونٌ يحكمُهم فوق قوانينِ البشرِ، تذوبُ أرواحُهم، وتأتلفُ قلوبُهم، فكأنهم روحانِ في جسدٍ واحدٍ يهيمون في سماءِ الوجدِ، ويسبحون في بحورِ السّهدِ. وقد يصلُ الأمرُ والعياذُ بالله للشركِ، يقول قيسُ:

أراني إذا صليتُ يممتُ نحوها

بوجهي وإن كان المُصلى ورائيا
وما بي إشراكٌ ولكنّ حبَّها
وعظمَ الجوى أعيا الطبيبَ المداويا.

ومن نوادرِ ذلك المجنون أنّه مرّ يومًا على ” ورد بن محمد العقيلي ” زوج ليلى، وورد لا يعرفُ قيس، ولكنّ قيس يعرفُه فبادرَه قيس بقوله:

بربّك هل ضممتَ إليك ليلى؟!
قُبيلَ الصبحِ أو قبّلتَ فاها
وهل رفّت عليك شعورُ ليلى
رفيفَ الأقحوانةِ في نداها

فقال ورد: أما وقد حلفتني، نعم فعلتُ. فقبض قيسُ بكلتا يديه على الجمرِ حتى أُغشي عليه. وبعد وفاةِ ليلى حزنًا على قيس كان يذهبُ لقبرِها ويبكي، والعجيبُ أنّه كان يدفنُ وجهَه في الترابِ ويقول: لعلّي أراها. ثم مات بعدها بما لا يزيدُ عن خمسةٍ وعشرين يوما. إن انجذابَ الرجلِ للمرأةِ، وانجذابَ المرأةِ للرجلِ أمرٌ فطريٌّ أزليٌّ ولو كانت المرأةُ مريمَ، أو كنتَ أنت يوسُفَ.
وأخيرًا أودُّ أن أقولَ: حاول السيطرةَ على نفسِك، واملِك زمامَ قلبِك، ولا تترك له العنانَ فيصبحَ كالفرسِ الجموحِ الذي يصعبُ انقيادُه. وتوسطْ في كلِّ أمرِك، واحتكمْ إلى عقلِك، وتعاليمِ دينِك حتى لا تكونَ فريسةً لتلك الأهواءِ الشعواء.

ما كنتُ أحسبُ قبل بادرةِ الهوى
أن الأسودَ فرائسُ الغزلانِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى