لو تَبِعنا القرآن لكُنَّا أوَّلَ أُمَّةٍ تغزو الفضاء    

عبد الله جمعة | مصر – شاعر وناقد مصري يقيم بالإسكندرية   

وقفْتُ طويلاً أمام هذه الآية من سورة الرحمٰنِ وأخذني ذلك النداءُ المُحْفِزُ للمخلوقين العاقلين المُكَلَّفَين في هذا الكون…          

(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (33)[الرحمن]       

اختُلِفَ في ذلك من قِبَلِ المفَسِّرينَ و كُلُّ ما اختُلِفَ فيه صحيحٌ يُؤخَذُ و قد أخذتُ بما قاله الطبري في تفسيره {وقوله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا): اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا)، فقال بعضهم: معنى ذلك : إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم ؛ فجوزوا ذلك ، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم} (ا.هـ)

ثُمَّ بدأتُ متأمِّلا رحلةَ البحثِ عن معاني و مدلولات تلك الكلمات المحكمات التي وردت في تلك الآية ، هالني ما لمستُ في تلك الآية ؛ إذ أنبأتني أننا أولُ قوم دُعُوا إلى بناء سفينة فضاء و دراسة قوانين الجاذبية محاولين مغادرة الأرض و ارتياد الفضاء …

لكننا لما وضعنا القرآن تحت الوسادة تميمةً تقينا من الأحلام المزعجة و الكوابيس و مع ذلك تأتينا ، و وضعناه في صدر السيارة تميمةً تحمينا من الحوادث و مع ذلك تقع فينا الحوادث …

ما لهذا نزل علينا القرآن ! . و الله ما لهٰذا نزل علينا القرآن !         

(يا معشر).. يقول صاحبُ اللسان : العَشَرَةُ أوَّلُ العقود .. و العَشَرَةُ عدد المذكر و العَشْرُ عددُ المؤنث ، تقول عَشَرَةُ رجالٍ و عَشْرُ نسوةٍ … و مَعْشَرُ الرَّجُلِ أهله و المَعْشَرُ الجماعة متخالطين كانوا أو غير ذلك و المَعْشَرُ و النَّفَرُ و القومُ و الرَّهطُ معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرِّجال دون النساء … و قال الليثُ : المَعْشَرُ كل جماعةٍ أمرُهُم واحدٌ نحو مَعْشَر المسلمين و مَعْشَرُ الكفار . (ا.هـ)

إذن ! فالله تبارك و تعالى يستنفر الجِنَّ و الإنسَ كُلًّا على حدةٍ أن يجمع كل رهط منهما أشباهه و نظراءه الرِّجال دون النساء ذلك لقدرتهم على مشاق الفعل .     

(تَنْفُذُوا): النَّفَاذُ : الجواز و في المُحكَم : جوازُ الشيء والخلوص منه .. تقول : نَفَذْتُ أي جُزْتُ و قد نَفَذَ يَنْفُذُ نَفَاذًا و نُفُوذًا … و رجلٌ نَافِذٌ أمرُه و نَفُوذٌ و نَفَّاذٌ : ماضٍ في جميع أمره . و نَفَذَ السهم الرميَّة و نَفَذَ فيها يَنْفُذُ و نَفَاذًا : خالط جوفها ثم خرج طرفُه من الشِّقِّ الآخر و سائرُه فيه .. و النَّفَاذُ و الحِدَّةُ و المَضَاءُ كله أدنىٰ إلى التَّعَدِّي و الغلو من الجريان و السلوك … (ا.هـ)        

إنَّ الله يستنفر و يدعو الجنَّ و الإنس كل معشرٍ على حدةٍ إن بلغ حد الاستطاعة أن ينفُذَ كالسهم في هذا الكون مخالطًا جوفَه ليخرج بطرفه من الشِّقِّ الآخر و يبقى سائرُه فيه .

(من أقطار): القُطْرُ بالضَّمِّ الناحية و الجانب و الجمع أقطار .. (ا.هـ).. القُطْرُ مستقيم داخل الدائرة مارًّا بالمركز و هو أطول خطٍّ مستقيم داخل الدائرة . فإذا كان الكون دائريًّا فكل من الجن و الإنس – على حدة –  بالاستطاعة مدعوٌّ لاجتياز أطول خطٍّ مستقيمٍ داخل دائرة الكون حتى يخرج بطرفه من الشِّقِّ الآخر .

(سُلْطان): سَلَطَ : السُّلْطانُ الحُجَّةُ و البُرهان ولا يجمع؛ لأن مجراه مجرى المصدر … و قال الزَّجَّاجُ في قوله تعالىٰ : “وَلَقَد أَرْسَلْنَا مُوْسَىٰ بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَانٍ مُبِينٍ” أي و حُجَّةٌ بَيِّنَةٍ ، و السلطان إنما سُمِّيَ سلطانًا لأنه حجة الله في أرضه . (ا.هـ)       

فإذا كانت الجنُّ و الإنسُ كُلًّا في مَعْشَرِه مدعوين بالإمساكِ بالحجة و البرهان التي هي أدوات العلم لاجتياز و النفاذ من جوانب السماوات و الأرض فليفعلوا …     

فكيف إذن يتحقق ذلك ؟

لقد سبقت الجِنُّ الإنس فكانت تجوب أقطار السماوات و الأرض حتى أنزل الله القرآن على محمد فامتنعت الجن عن النفاذ بأمره تعالى في قوله : “وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)” [الجن] … فلم يعُدْ مسموحًا لغير الإنس أن يتخذ الحجة و البرهان ليجوب أقطار السماوات و الأرض …

و لكن من أوَّلُ الإنس الذي دُعِيَ لارتياد الفضاء ؟ إنهم المسلمون … نعم ! المسلمون … فما نزلت تلك الدعوة في كتاب سماويٍّ إلا في القرآنِ … و كأنَّ الله قد سمح للمسلمين أن يكونوا أوائل الناس بامتطاء العلم و بناء أول سفينة للفضاء و الخروج إلى أقطار السماوات و الأرض إلا أنهم عجزوا عن فهمها و تركوا غيرهم من الأمم يحقق ذلك فاجتازت الأمم الكافرة – و هم من الإنس المدعوين – الفضاء و بقينا نحن – المسلمين – نتشدق بالقرآن دون فهمه و نتلوه تميمةً لا نعي ما فيه فسبقتنا الأمم و قبعنا في ذيلها ننتظر ما تجود به علينا من فُتات ما ينتجون من علم … !     

هذا قرآنُكُم أيها المسلمون إن أردتُم أن تعودوا إلى سيادة العالم و ريادته .

       

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى