الانتحار .. ظاهرة مخيفة
د. جيهان رفاعى | مصر
تعبر ظاهرة الانتحار المتكرر هذه الأيام عن رسالة إحباط من أطلال أحلام الماضي و يأس من جمود الحاضر واستقالة من طلاسم المستقبل، فهو كارثة تهدد الأسر المصرية المحاطة بكم من المشاكل تؤدي بها إلى التردي في دوامة الحياة، فقد أصبح الانتحار شعار يرفعه أصحاب النفوس الضعيفة من أجل إنهاء مشاكلهم اليومية بعد أن أغلقت أبواب الحياة امام أعينهم … فقد شهد مطلع العام الجاري العديد من حالات الانتحار بين كل الطبقات بداية من العامل حتي ضابط الشرطة ورجل الأعمال والسيدات والشباب الجامعى، وبات الانتحار خطراً يهدد كيان الأسرة المصرية وفى هذه الظاهرة يوجه الشخص العدوانية الكامنة بداخلة ضد ذاته، وتكون مشاعر اليأس هى بداية شرارة هذا الفكر والإحساس بالذل والقهر المؤدي إلي النهاية … فهو سلوك متعدد الدوافع ينشط حين يختل التوازن بين غريزة الحياة وأشتهاء الموت ويكون رابضا كأختيار في طبقات الوعي الغائرة إلى أن يطفو فوق السطح وينشط في ظروف معينة قد يكون أسبابها الفقر والضياع والتهميش وعدم الثقة بالنفس وضعف الواعظ الديني ، وقد يكون دوافع نفسية أو سياسية أو اجتماعية أو عاطفية أو ذلك الشبح المخيف المتمثل في تعاطي المخدرات … وتعد نسب الانتحار في طبقات المجتمع متساوية لكنها تكون في أغلب حالتها بين الشباب والشابات التي تتراوح أعمارهم بين 17 و 25 سنة لأسباب عديدة منها الزواج الغير متكافىء و ما يسببه إفتقار الزوجين الى التجربة الحياتية الكافية لمواجهة ضغوط الحياة، ومن الأسباب أيضا ثقافة المجتمع الذكورية مثل تسلط الرجل على مرافق الحياة سواء في المنزل أو في مؤسسات العمل مما يؤدى في النهاية الى خضوع المرأة للرجل وأصبحت أداة تلبي رغباته فيحدث التصادم بينهما لتصل في النهاية الى هذه النتيجة المفجعة، كما أن للاوضاع المعيشية الصعبة وإنتشار البطالة بشكل كبير والأمراض النفسية كالاكتئاب و الوسواس القهري والصرع والقلق وغيرها تؤدي فى النهاية الى التخلص من معاناة الحياة لعدم تحملهم للضغوط التي يلقونها،كما تلعب العولمة والانفتاح الزائد والغير منضبط بقواعد و التقليد الأعمى والتأثر بالآخرين دور كبير في تفشي هذا الشعور المتناقض بين ما تربى وتعود عليه الشخص وبين الدواخل الجديدة وما يتبعه من ضياع الهوية وشعور المنتحر بالاضطهاد ، نتيجة عدم حصوله على حقه من وجهة نظره مما يجعله يشعر بالحقد وعدم الإنتماء لهذا المجتمع ويري الحل في مغادرة هذا المكان .. ومن الأخطاء المدمرة الاسهاب في سرد تفاصيل المنتحرين يومياً لأن الإعلان المتزايد يشجع ضعاف النفوس والمرضى النفسيين على الإقدام علي ذلك… وعقب تزايد حالات الانتحار في الآونة الاخيرة أصدر مجمع البحوث الإسلامية بياناً أكد فيه أن الانتحار حرام شرعاً في الاسلام حتي لو كان نوعاً من الاحتجاج ، لأنه يؤدي الى إزهاق النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، فلابد من ضرورة الحفاظ على النفس البشرية ، فقد حرم الله قتل النفس لقوله تعالي {ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما} وقوله عز وجل {وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا إن الله يحب المحسنين}، ويؤكد ذلك حديث الرسول صلي الله عليه وسلم: [من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) لذلك يجب على الحكومات أن تضاعف جهودها للقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة في إطار برامج فعالة لتحقيق التنمية المجتمعية ومزيد من العدالة الإجتماعية والتكافل الإجتماعي مما يضيق الفجوة بين فئات المجتمع … ونعلم أن نعمة الحياة هبة ربانية يجب علينا الاستفادة منها وفقاً للإرادة الإلهية وأن الهدف من وجودنا هو عبادة الله والامتثال لأوامره وتجنب نواهيه وأن ما يصيبنا من مصائب الدنيا هو أمر مقدر من عند الله ودائما نردد باللسان والقلب (إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه، وإن الخيرة فيما اختاره الله، و عسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) ونتذكر دائماً أن لمعان الأشياء يمكن أن يكون ألسنة لهب لنار تحرق