حكايا من القرايا.. “عرس من الآخر”
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
في أحد الأعراس، كنّا مجموعة من الضيوف، نتناول غداءنا على طاولة واحدة. الجو (معجوق) عجقة كبيرة… بين الطاولات يصيح السفرجي على عمّاله، يحثهم على العمل بسرعة، ويوجههم نحو الضيوف، وعلى الطاولات تسمع قعقعة الملاعق، وطقطقة الأسنان… على مقربة منّا منصة العريس عليها العريس و بعض الأصدقاء والأقارب، وناس يقدمون واجب النقوط بالدور… وعلى الأرض انعقدت حلقة تردد ما يقول المغني الذي وقف على منصة خاصة به، مع فرقته الموسيقية… منصة أعلى من الأولى… وصوت الألعاب النارية يدوي في الجو، ويزعج الآذان…
الأغاني توجّه الناس للأعالي:
عريسنا ما أبدعه… مثل القمر في مطلعه… وينظر الناس للأعلى وكأنهم يخاطبون القمر
يا شمس غيبي من السما… ع الأرض في عنا عريس… ويتابع الناس نظرهم للأعلى يخاطبون الشمس…
ناس طربون… وقد خرجوا عن أطوارهم… وناس يمضغون الأرز بعد جبله بالمرق… ويهرسون اللحم… والمغني يتفلّت من المنصة… يكاد يطير… والعريس يتسلّم نقوطه، ويبتسم للناس المصطفّين بالدور لتقديم واجب النقوط…
كل هذا كوم، ومجموعة من الناس الأكابر، كانوا قد أنهوا طعامهم… وقدموا واجب العريس، وها هم يتوجهون إلى باب القاعة للخروج… وقد يسأل سائل: وكيف ميّز الناس أن هؤلاء أكابر؟ من لباسهم… ونظراتهم… وطريقة تناولهم الطعام، وترك معظم الطعام في الصحون… هؤلاء الأكابر من معارف مسؤول السفرجية… ربما كان أحدهم من أقاربه… ربما… وربما هو يدعي صداقتهم أو صداقة أحدهم على الأقل… لا يهمنا ذلك كله… ما يهمنا أن السفرجي أراد أن يكرم الأكابر… أراد من المغني أن يقطع أغانية ويحييهم… يذكر أسماءهم… وبلداتهم على رؤوس الأشهاد تكريماً لهم… مشكلة المشاكل أن المغني غير منتبه لمن هم على الأرض… وطاير مع النسيم العليل يغني للقمر ويغازل الشمس… السفرجي يصيح ويؤشر علّ صاحبنا ينتبه للغوالي على الأرض… لكن لا حياة لمن تنادي. ازداد قهر السفرجي، وها هو يسابق الزمن لتسميع الأكابر تحيتهم… وها هم يقتربون من الخروج… فما كان منه إلا تناول حبّة من الزيتون المخلل ورماها باتجاه المغني علّه ينتبه… وحبة أخرى… وثالثة بلا جدوى… ازداد قهراً… تناول حبة خيار مخللة وصوّبها تجاه المغني… ويا ريت ما عمل هالعملة… أصابت الخيارة اللعينة قميص العريس الأبيض المنشّى… انصدم الناس… وتوقف الحفل لدرء مؤامرة… تناول السفرجي ورقات منديل معطرة، وصعد كالبرق إلى المنصة ينظّف قميص العريس، ويزيل آثار بقع تركتها الخيارة … ثم همس في أذن المغني… فحيّا الجماهير، والأكابر… ونزل السفرجي… ولما وصلني ناولته قطعة من اللحم كبيرة… غرقتها بالمرق الأحمر، وقلت له: اقصف… اقصف يا رجل… رمقني بغضب… ومشى…