رسالة مقدسية غاضبة بكل الاتجاهات

يونس العموري | فلسطين

هي قصة من قصد القبيلة واقسم بعناقيد الغضب على الثأر وغادر كل اشكال الترف وعاش طريدا مطاردا مطرودا مهاجما هائجا ليقتص من القتلة، لم يصالح ولم يقبل التصالح حتى يعود الأخ الى مهجعه، كانت له فلسلفتة بالتصالح وعقد الصلح على ارض الواقع بعد ان يعود الطير الى عشه وتعود عقارب الساعة الى الوراء وكل الرؤوس ليست بسواء، لم يقبل ان يساوم وحاول ان يعايش الواقع والوقائع وظل يثأر للمقتول من القاتل ولم يقتل القاتل.. كان يمارس البكاء والنحيب واحترف ممارسة القتال من على صهوة الجواد … هو الاسم الاخر للاستكانة والتفاوض والقبول بالمقبول والقابل على الاستهانة في عصر تدنيس الذات وتحوير المعاني وانفلات المعايير وتبدل المقاييس واهانة القيم وتغير منظومة المفاهيم لتصبح الخيانة وجهة النظر والاقتراب من بيت التنين شيء من التكتيك وتدمير السلاح جزء من حضارية الموقف والمواقف والتسليم بالاستسلام لما يريد الاخر انتصارا دبلوماسيا في ظل العهود الجديدة والقراءات الراهنة لمعادلة التوزان والمهم والاهم ان يبقى السلطان بالباب العالي ساكنا مستكينا …

هي قصة وطن حاول ويحاول خفافيش الليل المتسترين برداء غير اثوابهم الحقيقية تطويقه واحالته الى مستنقع آسن تفوح منه رائحة الحقد والكراهية والفساد والافساد، مرتزقة الهدم واراقة الدم بصرف النظر عن تموضعهم، بالأمارة هناك او بالحاكمية هنا، سماسرة المساومة وعقد الصفقات المشبوهة، الراقصون بعرس الذبح على هوية الانتماء واعلاء كلمة الحق والموقف، المتطفلون على تاريخ العزة والشرف، العابثون بقدسية ارادة الأحرار، المستأجرون من قبل زعماء وامراء القبائل المتناحرة، محترفو الحقد الأعمى.

هي قصة وطن صار مستباحا لمراهق يحترف العويل بوجه الحقيقة، ويلهث خلف سراب شيوخ القبائل المتناحرة والتائهة، ويطرب على ازيز رصاص القنص للحلم التائه وسط الغي وسوداوية المشهد الوطني.

هم العطشى للتخريب والخراب، هم معاول أبو جهل واباطرة قياصرة التربع على العروش الكرتونية، هم سدنة نيرون روما، وخدمة الهيكل الجديد، هم عفاريت الشيطان المختبئ بين تفاصيلهم، هم بلا هوية ولا انتماء للمدائن العتيقة، هم الدخلاء على التاريخ ومشوهي حركته ومسيرته، هم هؤلاء الذين يجوبون الشوارع البائسة ليقتنصوا فريستهم ببعض من حلم وأمل يسكن أطراف البؤس والشقاء.

صوتهم نعيق البوم في صباح يحاول ان يختلس جماله. يجوبون الأزقة ويرعبون طفل يرقب الصبح ويأخذ حصته من اشراقة الشمس، فيمطروه بوابل خطابات عبثية كونه قد تجرأ على الشمس والحقيقة…

هي حكاية الموت المتربص خلف الجدران الباردة، حينما يأتي قبل اوانه على يد اعداء الحياة والحب والانسان.

يا قتلة الحلم وارادة العيش والأمل ماذا تريدون؟ ان كانت السلطة والإمارة فخذزها وابتعدوا… وان كانت المغانم فأسرفوها واذهبوا…. وان كان الدم فخذوا حصتكم وارحلوا…. وان كان القتل والذبح من الوريد الى الوريد فقرابيننا بانتظاركم… اشحذوا سكاكين قتلكم وتعالوا نحن بانتظاركم…

يا انصاف الرجال والمتطفلين على جسومنا.. وفعلكم مخزي… ولغتكم صارت عبرية لا نفهمها… وهيئاتكم غريبة وكأنكم القادمون من غير هذه الروابي والسهول والجبال، لا تعرفكم هذه التلال ولا تتعرف على هويتكم.. أنتم خارج إطار حلمها… واعلموا انها ستلفظكم يوما… وترمي بكم على قارعة الطريق….

هو الشعب الذي سئم غيكم وسئم نباحكم وسئم قولكم وفعلكم… لابد من ان ينتفض عليكم … وصرخته ستقض مضاجعكم…

فيا ايها الشعب المظلوم انتفض على ثقافة الهزيمة المطعَم بنكهة الانكسار والخضوع والسكون والخنوع لفرماناتهم، واسمع صوتك لهم، وإن كانت القصة قد بدأت هناك في دهاليز التربص للأحلام، فبلا شك ان للرواية فصول أخرى لن يكتبها ارباب المصالح والتصالح مع الاخر. وستخط ابجدياتها طفلة رابضة امام منزلها بالقدس الشاهدة الشهيدة والذي يباشر آبيها بفعل هدمه بقرار من يهوذا. وبتواطأ بشكل او باخر من يتمنطق باسم المدينة المظلومة دهرا وزمنا وازمانا. ويا طفلة الحواري والقهر قولي واسمعيهم نبض حزنك وقهرك.

فإلى حملة المشاريع التسووية وضرورة الصلح والتصالح والهدنة والتهدئة طويلة الأمد وما بينهما ، إلى صاحب السمو المقنع بالشوارع بالمدن الرطبة، إلى رئيس سدنة الموت حفظه الله ورعاه وسدد خطاه.. إلى صاحب المقام السامي في الكهوف… إلى أولي الأمر فينا، الى ملوك الطوائف اجمعين، وملوك الفصائل، الى الثوار المنسيين، وهؤلاء الذين غادروا الحلم، واستسلموا للحظة الراهنة، الى الكاتب المحترف العويل والصراخ، الى الذي يستحضر اساطير التاريخ ليكتب مرثياته، اليكم جميعا اكتب.

تحية من زقاق وحواري ايلياء العتيقة واحياءها، تحية من تحت أنقاض البيوت المنهدمة بقرار شركاءكم في صناعة الوهم التسووي، من القدس احدثكم واخط بعض من اقاصيص اللحظة، تلك القدس التي أضحت مهملة من سادة العرش، واولي الامر، وجماهير الاستسلام والتسليم و الصمت على الجرائم بحق قدسكم ، فيا جماهير الصمت والوجع والقهر والالم، يا جماهير هذه الجغرافيا الممتدة من تلك الرابية في اقاصي الشمال، الى النقطة الفاصلة مع البحر في جنوب الصحراء ، والذي يُراد لها أن تنطق بالعبرية المُعبرنة الجديدة … يا جماهير الصمت المتجولة والمتخبطة في ثنايا تلك العباءات الآتية من رحم الصحراء ومجاهليها لتتلو مزاميرا كانت أن اندثرت في غياهب تيه الظلامية وفي ظل زهر اللوز الذي يحاول أن يتألق ويزهو، وحينما تصدح اهازيج فرح متسللة الى بيوت الفقراء بليل العراء عند النار الموقدة المعلنة عن قدوم الفلاحين البسطاء، قد كانوا للتو هناك يحرسون القمر الساطع على حقولهم ويمارسون لعبهم وفرحهم ويهمسون بالشجن احزان الثكالى …

يا ايتها الجماهير المُنساقة لحلبة اللهو والمنشغلة بحسابات الربح والخسارة، وحسابات السلطة تتوالى بحسبة اخرى ليس لها علاقة بحساباتكم، وقد تجيء ثورة العبيد مباغتة لكم، وهذه المرة لن يظهر للعيان سبارتاكوس ليقول كلمته بالجمع ويحاول ان يجمع البسطاء من حوله ولن يستعرض امامكم بطولاته وبالرماح لن يسقط اعداءه وأنتم بالصمت تعتصمون … فقد كان سبارتاكوس يرمي بكلماته منذ مئات السنين في افئدة المؤمنين بضرورة اسقاط الفرعون والمملوك والآتي الى الحكم صدفة بإرادة أخرى غير ارادتكم …

يا عبيد المرحلة وأنتم تشاهدون المشهد القريب هل لكم ان تتسألوا كيف من الممكن ان تصبح تجارة المواقف وبيعها وشراءها واحدة من النمط العام الذي يسود الأن بين ثنايا وجودكم بيومياتكم …؟؟ والعلاقات بتلك التجارة الرائجة ما بين العرض والطلب وتحديد الأسعار المدفوعة فيكم وعليكم هي جوهر خلافاتهم وماهية الاثمان وطبيعتها وحقيقة تسميتها.

وسيظل ذاك الممتطي لصهوة الحقيقة يجوب التلال والبراري مقسما بعناقيد الغضب، بان لا يصالح وسيأتي زمن اخر غير هذا الزمن وان طال انتظاره، فالعتيقة على موعد معه عند اول الصبح وانبلاج الخيط الأبيض من السواد المكلل في سماء مدينة القهر النائمة على احزانها، وللحديث بقية بكل الاتجاهات والمسارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى