حكايا من القرايا.. ” و تزوج الكويتي “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

لوحة: فرديناند جورج فالدمولر -1793-1865 

هكذا كانوا يطلقون على الذي يتغرب إلى الكويت، ويعمل هناك… فلان الكويتي… وقولون: جاء الكويتي… وسافر الكويتي… والله يصبحه بالخير الكويتي، وتغني له النساء في الأعراس:

مادّات الوردة ع بيتي… مادّات الوردة ع بيتي

واقطف يا سعد يا كويتي… واقطف يا سعد يا كويتي

وكان سعد وحيد والديه، لم تخلّف أمه قبله، ولم تخلّف بعده… طفل تدلّع في بيت (أبو سعد)، ولما تشبّب – سبحان الذي خلق – طول وبياض، وشعر مُسَحوِل، وشبوبيّة حلوة… الله يحرسه. وسافر سعد إلى الكويت، وصلها متوسط الحال، والكريم قللو خذ،  ساق له الرزق بالطول والعرض، والرجل ما قصّر، أرسل لوالديه المال باستمرار، مما مكّنهم من بناء جوز علالي فوق العقود… علالي ما شاء الله، شامخة، وتطل على الحارة من جميع الجهات، وفرشوها عربي، وطقموها بغرفة نوم من أحلى ما يكون… والسعد يا جماعة بجيب السعد، ورافق المربح تربح… والله يصبحكم بالخير… ويسعدكم… سعد ما قصّر مع أولاد بلده، والله ساعد فقراء، ودفع أقساطاً لطلاب علم، وأسهم في بناء ديوان البلدة… وتوسيع شوارع البلدة… الرجال الله معطيه… وهو قايم بواجبه… نعم الله عليه مثل المطر: مال، وجمال، وصيت فقع، وصار خرّيفيّة حلوة يتداولها الناس في مجالسهم…

قالوا في اليوم الفلاني سعد سيأتي من الكويت، وسيكون في البلدة، وسيتزوج، وبدأت بنات الحلال ترشح زوجات لسعد… تقول الدبّورية (أصلها من دبورية) والله بنت أبو فالح مليحة لسعد… والله طينة على عجينة، وتدعي أم محمود، أن بنت أبو خالد حلوة ولايقة ومرتبة مثل صفط الدخان… أما حسنية الصالح، فتميل لبنت مصطفى المحمد نزمية، وتدعي أن الزوجين سيكونان سمناً على عسل… يا حرام بنات عم العريس ما حدا جاب سيرتهن… ولله في خلقه شؤون…

وصل الغالي البلدة، فدشعت البلدة قاطبة تسلم عليه وترحب به… الختيارية جاؤوا من الأفجاج كلها، يسهرون ويتحدثون، ويتعللون ويسألون عن أبنائهم وأقاربهم في الكويت… والشباب جاؤوا يسلون على صديقهم ويتذاكرون أياماً مضت… وذكريات…

والنساء يصغن مستقبل سعد، ومشغولات في اختيار صاحبة الحظ… وسعد يخرج كل عصرية للكسدرة في حارات البلدة وشوارعها… يخرج بقامته الطويلة، ووسامته اللافتة، ولباسه الأنيق، قميص أبيض منشّى، في جيبه قلم حبر باركر، وبنطال هلد إنجليزي، وحذاء يلمع كالمرآه… وقد سبقه عطره في الأرجاء كلها…  أم سعد عينها زايغة، لا يعجبها العجب، ولا عاجبتها ولا عروس من بنات عم سعد، ولا بنت من بنات البلد… وتبحث عن عروس برّانيّة، وتدافع عن رايها ” أبعد لك أسعد لك” وغير مقتنعة بمن تقول لها ” من طين بلادك حط ع خدادك” … تريدها: رقبتها زرافة، وطولها جمل، وأصابعها شمع، والماء يظهر من زورها وهي تشرب… وكل يوم وأم سعد دايرة من  بلد إلى آخر ومن بيت إلى آخر… بحجة  شراء خرفان، وزغاليل، وأرانب… وأخيراً قسم النصيب، وأقيمت الحفلات والليالي الملاح والتعاليل… وزُفَ سعداً إلى بنت من قرية بعيدة… ودون الدخول في التفاصيل، الناس كلهم اشتفوا في أم سعد… وكأن أم سعد أتت بغولية تكاد تلتهما عندما تكلمها، اشتفوا بها وقالوا” والله سعد ما بستاهل إلا الخير… لكن أمّو… وأمّوا يا أمّو… هي اللي ورطته… عروس متكبرة على أم سعد، وعلى الناس كلها، وعلى سعد نفسه… لا همّ لها إلا الأكل والنوم… وتريد من الناس أن يخدموها… الله يساعدك يا سعد…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى